حول الکتاب الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام - الصفحه 4

ضرورة إعادة النظر في تاريخ عاشوراء

إنّ القابلية الثقافية الواسعة لتاريخ عاشوراء ومكانتها الخاصّة في العالم الإسلامي وخاصّة عند أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، يستوجبان أن يخضع موضوع النهضة الحسينيّة للبحث والدراسة الدقيقة في أوساط الحوزات العلمية والجامعات ومن قبل أكفأ العلماء والخبراء، باعتباره أحد أهمّ قضايا المذهب الشيعي ، وعلى النُّخب المحيطة بمعارف الكتاب والسنّة وتاريخ أهل البيت تبيين وتفسير الأبعاد المختلفة والمعبّرة عن هذه الملحمة المفعمة بالهداية والسعادة ، وذلك من خلال جمع الروايات التاريخيّة ، وتقييمها وتحليلها .
ولكن يجب القول - وبكلّ أسف - : إنّ عدم الاهتمام المناسب من قبل الحوزات العلميّة والشخصيّات العلميّة البارزة بهذه القضية البالغة الأهمّية من جهة ، وارتباط إقامة مجالس العزاء على سيّد الشهداء بتأمين أسباب العيش لعدد من منشدي المراثي من جهة اُخرى ، أدّيا إلى أن تَحلّ إثارة عواطف الناس في الكثير من مجالس العزاء محلَّ بيان الأهداف السامية للنهضة الحسينيّة ، وبذلك لم تشِع الروايات الضعيفة والفاقدة للأساس والتي يقوى‏ فيها الجانب العاطفي - وإن كانت منافية لشأن أهل البيت ومنزلتهم - فحسب ، بل - كما يقول الاُستاذ الشهيد المطهري - : إنّه ومن خلال الاستدلال بأنّ «الغاية تبرّر الوسيلة» على قاعدة ماكيافلي ۱ مهّدوا الطريق لانتحال الكذب في إنشاء المراثي، لاحظ نماذج من هذه النقول مع نقد الشهيد مطهري لها ، من قبيل قولهم :
«إنّ هاشم بن عتبة المرقال سارع إلى نصرة الإمام الحسين وهو يحمل رمحاً يبلغ طوله ثمانية عشر ذراعاً»، ۲ في حين أنّه كان من أصحاب الإمام عليّ عليه السلام ، وقد قُتل في معركة صفّين قبل حوالي عشرين سنة من حادثة عاشوراء !
وكقولهم : «إنّ عمر بن سعد جاء إلى كربلاء بمليون وستّمئة ألف مقاتل من أهل الكوفة» ، ۳ في حين أنّ عدد نفوس أهل الكوفة لم يكن يتجاوز آنذاك المئة ألف!
وقولهم : «إنّ الإمام الحسين عليه السلام قتل بيده في يوم عاشوراء ثلاثمئة ألف شخص» . ۴ في حين أنّنا إذا افترضنا أنّه قتل كلّ واحد في ثانية ، فإن قتل ثلاثمئة ألف شخص يستغرق ثلاثاً وثمانين ساعة وعشرين دقيقة!
و : «إنّ أبا الفضل عليه السلام قتل خمسة وعشرين ألف رجل» ، ۵ في حين أنّ قتل هذا العدد من العدوّ يستغرق حوالي سبع ساعات إذا قتل كلّ واحد في ثانية فقط!
ويبدو أنّ مؤلّف الروايات المذكورة ولأجل توفير الوقت المطلوب لما ذكر ادّعى أنّ يوم عاشوراء استمرّ اثنتين وسبعين ساعة ! ۶۷
ويكثر هذا النوع من الروايات في الكتب التي ذكرت باعتبارها «مصادر ضعيفة» ۸ ، كما ينبغي إضافة المواضيع التي طرحت باعتبارها «لسان الحال» من قبل الخطباء ومنشدي المراثي، ثمّ تحوّلت إلى «لسان المقال» إلى قائمة النصوص الضعيفة .
وعلى أيّ حال ، فإنّ عدم تلبية الخبراء المتخصّصين لحاجة المجتمع الماسّة في مجال التاريخ الصحيح والأهداف السامية للنهضة الحسينيّة ، أدّى إلى أن تبلغ الكتب التي تمّ تأليفها حول الإمام الحسين عليه السلام - وبالخصوص ما تمّ تأليفه في العصر الحاضر - مئات المجلّدات ، بل الآلاف ، في حين أنّ الكتب الموثّقة التي يمكن الاستناد إليها والاستفادة منها بهدف بيان الحقائق التاريخية للنهضة وأهدافها وغاياتها ، قليلةٌ للغاية .
لهذا فإنّ مراجعة تاريخ عاشوراء بصورة تخصصيّة وتهذيبه عن القضايا الموهنة والّتي لا أساس لها ، وتنقية تاريخ وتعاليم النهضة الحسينيّة عن التحريفات هو أكبر خدمة يمكن أن تقدّمها المراكز البحثيّة والعلميّة لسيّد الشهداء عليه السلام .
إنّ موسوعة الإمام الحسين عليه السلام ، تمثل خطوة متواضعة في هذا السبيل ، حيث كانت حصيلة جهود متواصلة لسنوات من البحث والتحقيق وبالاستعانة بعدد من الباحثين الأفاضل في «مركز دراسات علوم ومعارف الحديث» ضمن تسعة أجزاء ، وقد اُنجز العمل عليها و صارت في متناول الباحثين والراغبين في ذي الحجّة سنة 1431 ه . ق .

1.راجع : حماسه حسيني «بالفارسيّة» : ج ۱ ص ۴۸ .

2.راجع : محرق القلوب : ص ۱۵۲ ، روضة الشهداء : ص ۳۰۱ وجاء فيه أيضاً : «وهو يحمل رمحاً كأنّه الحيّة الأرقم» .

3.أسرار الشهادة : ج ۳ ص ۳۹ .

4.راجع : أسرار الشهادة (الطبعة القديمة) : ص‏۳۴۵ قد حذفت هذه العبارة فى الطبعة الجديدة .

5.راجع : أسرار الشهادة : ج ۳ ص ۳۶ .

6.راجع : أسرار الشهادة : ج ۳ ص ۳۵ - ۳۹ .

7.حماسه حسيني «بالفارسية» : ج ۱ ص ۲۸ - ۲۹ .

8.راجع : ص ۲۹ (المصادر غير الصالحة للاعتماد) .

الصفحه من 10