313
ميزان الحکمه المجلد السابع

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام عَدَلَ من عندِ حائطٍ مائلٍ إلى‏ مكانٍ آخرَ ، فقيلَ لَهُ : يا أميرَ المؤمنينَ ، تَفِرُّ مِن قَضاءِ اللَّهِ؟ ! فقالَ عليه السلام أفِرُّ مِن قَضاءِ اللَّهِ إلى‏ قَدَرِ اللَّهِ . وسئلَ الصّادقُ عليه السلام عنِ الرُّقى‏ : هَل تَدفَعُ مِن القَدَرِ شَيئاً ؟ فقالَ : هِي مِن القَدَرِ» .
وقال الشيخ المفيد رحمة اللَّه عليه في شرح هذا الكلام : «عمل أبو جعفر في هذا الباب على‏ أحاديث شواذّ لها وجوه تعرفها العلماء متى‏ صحّت وثبت إسنادها ، ولم يقل فيه قولاً محصّلاً ، وقد كان ينبغي له لمّا لم يعرف للقضاء معنى‏ أن يهمل الكلام فيه . والقضاء معروف في اللغة ، وعليه شواهد من القرآن ، فالقضاء على‏ أربعة أضراب : أحدها الخَلق ، والثاني الأمر ، والثالث الإعلام ، والرابع القضاء بالحُكم . فأمّا شاهد الأول فقوله تعالى‏ : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ)۱ ، وأمّا الثاني فقوله تعالى‏ : (وقَضى‏ رَبُّكَ ألّا تَعْبُدُوا إلَّا إيّاه)۲ ، وأمّا الثالث فقوله تعالى‏ : (وقَضَيْنا إلى‏ بَني إسْرائيلَ)۳ ، وأمّا الرابع فقوله : (واللَّهُ يَقْضِي بالحَقِّ)۴ يعني يفصل بالحكم بالحقّ بين الخلق ، وقوله : (وقُضِيَ بَينَهُم بالحَقِّ)۵.وقد قيل : إنّ للقضاء معنىً خامساً وهو الفَراغ من الأمر ، واستشهد على‏ ذلك بقول يوسف عليه السلام : (قُضِيَ الأَمرُ الّذي فيهِ تَستَفْتِيانِ)۶يعني فُرِغ منه ، وهذا يرجع إلى‏ معنَى الخلق .
وإذا ثبت ما ذكرناه في أوجه القضاء بطل قول المُجبّرة : إنّ اللَّه تعالى‏ قضى‏ بالمعصية على‏ خلقه ؛ لأ نّه لا يخلو إمّا أن يكونوا يريدون به أنّ اللَّه خلق العصيان في خلقه ، فكان يجب أن يقولوا : قضى‏ في خلقه بالعصيان ، ولا يقولوا قضى‏ عليهم ، لأنّ الخلق فيهم لا عليهم ، مع أنّ اللَّه تعالى‏ قد أكذَبَ من زعم أ نّه خلقَ المعاصي بقوله سبحانه : (الّذي أحْسَنَ كُلَّ شي‏ءٍ خَلَقَهُ)۷ كما مرّ .

1.فصّلت : ۱۲ .

2.الإسراء : ۲۳ .

3.الإسراء : ۴ .

4.غافر : ۲۰ .

5.الزمر : ۶۹ .

6.يوسف : ۴۱ .

7.السجدة : ۷ .


ميزان الحکمه المجلد السابع
312

ومِثلُهُ : (لا يُقضى‏ علَيهِم فَيَمُوتوا ولا يُخفّفُ عَنهُم مِن عَذابِها)۱ أي لا يَنزِلُ علَيهِمُ المَوتُ فَيَستَريحُوا، ومِثلُهُ في قِصّةِ سُليمانَ بنِ داوود : (فَلَمّا قَضَيْنا علَيهِ المَوتَ مادَلَّهُم عَلى‏ مَوتِهِ إلّا دابَّةُ الأرضِ تَأْكُلُ مِنسَأتَهُ)۲يَعني تعالى‏ لمّا أنزَلنا علَيهِ المَوتَ .۳

بيان :

قال الصدوق رضوان اللَّه تعالى‏ عليه : «اعتقادنا في القضاء والقدر قول الصادق عليه السلام لِزُرارَةَ حينَ سألَهُ فقالَ : ما تقولُ في القَضاءِ والقَدَرِ ؟ قالَ : أقولُ : إنَّ اللَّهَ عَزَّوجلَّ إذا جَمَعَ العِبادَ يَومَ القِيامَةِ سَألَهُم عَمّا عَهِدَ إلَيهِم ، ولم يَسألْهُم عَمّا قَضى‏ علَيهِم ، والكلامُ في القَدَر مَنهيٌّ عَنهُ كما قالَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام لرجُلٍ قد سألَهُ عنِ القَدَرِ : فقالَ : بَحرٌ عَميقٌ فلا تَلِجْهُ ، ثمّ سألَهُ ثانيَةً فقالَ : طَريقٌ مُظلِمٌ فلا تَسلُكْهُ ، ثُمّ سألَهُ ثالثَةً فقالَ : سِرُّ اللَّهِ فلا تَتَكَلَّفْهُ . وقالَ أميرُ المؤمنين عليه السلام في القَدَر : ألا إنَّ القَدَرَ سِرٌّ مِن سِرِّ اللَّهِ‏۴ ، وحِرزٌ مِن حِرزِ اللَّهِ ، مَرفوعٌ في حِجابِ اللَّهِ ، مَطوِيٌّ عَن خَلقِ اللَّهِ ، مَختومٌ بخاتَمِ اللَّهِ ، سابِقٌ في عِلمِ اللَّهِ ، وَضَعَ اللَّهُ عنِ العِبادِ عِلمَهُ ، ورَفَعَهُ فوقَ شَهاداتِهِم ، لأ نَّهُم لا يَنالُونَهُ بحَقيقَةِ الرَّبّانيَّةِ ، ولا بقُدرَةِ الصَّمَدانيّةِ ، ولا بعَظَمةِ النُّورانيَّةِ ، ولا بعِزَّةِ الوَحدانيَّةِ ، لأ نّهُ بَحرٌ زاخِرٌ مَوّاجٌ ، خالِصٌ للَّهِ‏ِ عَزَّوجلَّ ، عُمقُهُ ما بينَ السَّماءِ والأرضِ ، عَرضُهُ ما بينَ المَشرِقِ والمَغرِبِ ، أسوَدُ كاللَّيلِ الدامِسِ ، كثيرُ الحَيّاتِ والحِيتانِ ، تَعلُو مَرّةً وتَسفُلُ اُخرى‏ ، في قَعرِهِ شمسٌ تُضي‏ءُ ، لا يَنبَغي أن يَطَّلِعَ علَيها إلّا الواحِدُ الفَردُ ، فَمَن تَطَلَّعَ علَيها فَقَد ضادَّ اللَّهَ في حُكمِهِ ، ونازَعَهُ في سُلطانِهِ ، وكَشَفَ عن سِرِّهِ وسَترِهِ ، وباءَ بغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ، ومَأواهُ جَهنّمُ ، وبئسَ المَصيرُ .

1.فاطر : ۳۶ .

2.سبأ : ۱۴ .

3.بحار الأنوار : ۹۳/۱۸ - ۲۰ .

4.في الاعتقادات للشيخ الصدوق : «سرّ من سرّ اللَّه ، وستر من ستر اللَّه» . (كما في هامش بحار الأنوار).

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السابع
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 237744
الصفحه من 640
طباعه  ارسل الي