21
غريب الحديث في بحارالأنوار ج1

4 ـ حاجة اليوم :

قد يظنّ البعض بأنّ الحاجة إلى علم غريب الحديث قد انتفت من بعد تأليف «مجمع البحرين» ، وبأنّ عصر تدوين كتب غريب الحديث قد انتهى ، إلاّ أنّ هذا الظنّ يميل إلى الضعف استنادا إلى ما مرَّ ذكرهُ ، وبناءً على نسبيّة مفهوم الغريب ؛ وذلك لأنّ الاُنس بالكلمات القديمة وفهم معانيها يتضاءل مع تقدّم الزمن ، ولأنّ الحديث كلّما اتّسع نطاق استخدامه بين الناس وازداد انتشاره بين المجتمعات البشريّة ، وكثر التساؤل عن معانيه ، تزداد إلى جانب ذلك المباحث اللغوية .
وبعبارة اُخرى ؛ ليست هناك ألفاظا جديدة تظهر إلى الوجود ، ولكن من الممكن أنّ المفردة التي كانت بالأمس متداولة معروفة وواضحة المعنى يترك استعمالها وتترك جانبا فيتراكم عليها غبار الغربة تدريجيّا إلى أن تصبح غريبة . ولوْ كُنّا نعتقد بالساعة اللغوية لقلنا إنّ شروحات وتفاسير غريب الألفاظ نفسها تحتاج من خلال تقادم الزمن إلى شرح وتبسيط ، ولابدّ من تقديم ترجمة لها تتناسب مع الزمن . وأخيرا لابدّ ـ ومن أجل صيانة المقصود الأصلي لصاحب النصّ وفهمه على الوجه الصحيح وعدم التأثّر بما لدينا من افتراضات وتصوّرات مسبقة ـ أن تُعطى المفردات معانيها من منظار قائلها إلى الحقائق وفي ضوء التراكيب التي استُخدمت تلك الألفاظ في صياغتها . وهذا يعني أحدث عمل في مجال تدوين غريب الحديث وهو العمل الذي قام به علماء غريب الحديث السابقين على نحو مبعثر ، وطُبّق عمليّا في الكتاب الذي بين أيديكم والذي يحمل عنوان «غريب الحديث في بحارالأنوار» وانتظمت فيه جهود العلاّمة المجلسي في هذا المضمار .
لقد فسّر العلاّمه المجلسي أثناء تدوينه لكتاب «بحارالأنوار» وشرحه للجوامع الروائيّة الشيعيّة مفردات كثيرة ، واستطاع عبر إتقانه المدهش للّغة ولكتب غريب الحديث ، وكذلك من خلال إحاطته بموارد استعمال تلك الألفاظ في الأحاديث الاُخرى ، أن يُقدّم تفسيرا للأحاديث بالأحاديث .
إنّ المبادرة إلى جمع كلّ هذه الألفاظ وتنسيقها وفق الترتيب الألفبائي ، وذكر المصادر


غريب الحديث في بحارالأنوار ج1
20

وتاج العروس للزبيدي ، واحتواء بعضها على المفردات الغريبة واعتمادها على الكتب المتقدّمة من غريب الحديث ؛ كلسان العرب لابن منظور ، سببا آخر لعدم النهوض لتلبية هذه الحاجة التي تأخّر قضاؤها عشرة قرون حرم خلالها العالم الإسلامي من معانٍ ذات مغزىً عميق تكمن وراء أحاديث أهل البيت عليهم السلام .
وفي القرن الحادي عشر شرع فخر الدين بن محمّدعلي الخفاجي المعروف بالطريحي ( المتوفى 1087 هجريّة ) والذي كان من فقهاء الشيعة واُدبائها ومن الذين نهلوا من علوم أهل البيت عليهم السلام ، بعمل كبير تمثّل في البحث والتنقيب عن غريب القرآن والحديث ، وبعد عشرات السنوات من الجهد العلمي الذي تمخّض عنه تأليف أربعين كتابا في شتّى أبواب العلوم ، قدّم في آخر حياته الزاخرة بالعطاء للباحثين والمهتمّين بحديث أهل البيت عليهم السلامكتابه المعروف بـ «مجمع البحرين ومطلع النيّرين» . وقد اهتمّ في كتابه هذا بشرح وتفسير المفردات المهمّة في القرآن والحديث ، إضافة إلى تقديم نبذة عن تاريخ الأنبياء ، والمحدّثين ، والعلماء ، والملوك ، وحتى الأماكن إلى جانب شرح العقائد ومذاهب الفِرق ؛ وبذلك فهو قد جعل من كتابه هذا دائرة معارف شيعيّة صغيرة .
استفاد الطريحي في تدوين «مجمع البحرين» من جميع الكتب المهمّة في غريب الحديث ومعاجم اللغة ، فضلاً عمّا لديه من مخزون علمي . وسار في ترتيب كتابه على النهج الذي سار عليه الجوهري في ترتيب «الصحاح» ، ونسّق المفردات فيه على الترتيب الألفبائي وفقا لمادّة المفردة وعلى أساس الحرف الأخير منها . وقد جعل الهمزة والألف المنقلبة من «الواو» و«الياء» في باب واحد من أجل أن يكون التناول أسهل على من لايجيدون علم الصرف والاشتقاق ، وأورد جميع الكلمات المهموزة اللام والناقِصة في باب «حرف الألف» .
ركّز الطريحي عند شرحه وتفسيره للأحاديث والمفردات الغريبة على مصدرها الأساسي ؛ ليتخلّص من التفاسير المتكرّرة التي لايوجد لها سند أو اعتبار وإنّما هي من وضع أصحاب الأخبار والقصّاصين ـ وليست صادرة عن رواة الوحي ـ وكان أحيانا يذكر المصاديق التي تنطبق عليها معاني الكلمات ، كمعانٍ لتلك المفردات .

  • نام منبع :
    غريب الحديث في بحارالأنوار ج1
    المساعدون :
    مركز بحوث دارالحديث
    المجلدات :
    4
    الناشر :
    مؤسسة الطباعة و النشر وزارة الثقافة و الارشاد الاسلامی
    مکان النشر :
    تهران
    تاریخ النشر :
    1420 ق/ 1378 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 82397
الصفحه من 462
طباعه  ارسل الي