جانب الحجم الضخم للكتاب ، إذ أنّه يحتوي إضافة إلى الأحاديث ، على أسنادها ، والمتون المشابهة ، ومايماثلها من الاشتقاقات ، وهذا ماجعل جهود الحربي غير ناجحة . وعلى الرغم من أهمّية الكتاب الذي يتضمّن أحد مجلّداته فقط مايربو على ألف شاهد شعري إلاّ أنّه تُرك ، ولم يسلم من نوائب الدهر وحوادث التأريخ إلاّ المجلّد الخامس منه ، أمّا بقيّة الكتاب فلم يُعثر عليه حتى الآن .
3 ـ العهد الألفبائي :
مهّدت الجهود غير الناجحة التي بذلها الحربي ، الأرضيّة لحصول تطوّر أساسي في ترتيب الألفاظ الغريبة . وعلى الرغم من استمرار السير على طريقة تدوين المسانيد من بعده ، إلاّ أنّ علم غريب الحديث دخل في نهاية القرن الرابع ، ومع ظهور أبي عبيد آخر ـ أي أحمد بن محمّد الهروي ـ مرحلته الثالثة . فقد سأل أبوعبيد نفسه : ما الذي يبحث عنه من يراجع كتب غريب الحديث أو غريب القرآن؟ هل يبحث عن الأحاديث الغريبة ؟ وهل سند الرواية وطريقها مهمّ بالنسبة إليه أم لا ؟ وما الفرق عنده أن تكون المفردة الغامضة مرويّة عن ابن عباس أو أبى أبوهريرة ؟ ولماذا تأتي اللفظة الغريبة المرويّة في حديثين وعن راويين ، في موضعين؟!
وبعبارة اُخرى ؛ إنّ الغرض الأساسي من تصنيف كتب غريب الحديث هو معرفة المعنى والإعراب وهيئة المفردة الغريبة المستعملة في الحديث ، كما هو المتعارف في كتب اللغة تماما . وبالإضافة إلى ذلك ، كان لابدّ من جمع كل ماكُتب في غريب الحديث وتقديمه للمهتمّين جملة واحدة ؛ من أجل إغنائهم عن المراجعات المتعدّدة لكتب مختلفة .
ولغرض تلبية هذه الحاجة ، فقد جمع أبوعبيد الهروي كتبا متعدّدة من كتب غريب الحديث ؛ ومن جملتها كتب المؤلّفين الثلاثة الأوائل في هذا العلم ، وهم : أبوعبيد الهروي الأوّل ، وابن قتيبة الدينوري ، والخطابي البُستي . ووضع هذه الكتب الثلاثة إلى جانب كتب الحديث الاُخرى ، ثمّ وضعها كلّها إلى جانب كتب غريب القرآن ، وجمعها كلّها سويّة وألّف منها كتاب «الغريبين» ورتّب في كتابه هذا المفردات على أساس حروفها الأصليّة وفقا