رتّب ابن الأثير هذه الأقسام الثلاثة وفقا للترتيب الألفبائي المعروف على أساس موادّ الكلمات وأورد ـ بعد ذكر مادّة المفردة الغريبة التي هي بحاجة إلى الشرح ـ العبارة التي تقع فيها تلك اللفظة من الحديث لا كلّ الحديث . واتّبع اُسلوبا مختصرا في تفسير معاني المفردات الغريبة . وهذا الاُسلوب الحسن الذي اتّبعه ابن الأثير ، إضافة إلى الإحاطة والشموليّة التي يتميّز بهما كتابه الذي يضمّ حتّى المفردات الغريبة الواردة في كلام الصحابة والتابعين ، أدّى به إلى تسمية كتابه بـ «النهاية» . وهذا العمل الرائع البديع لم يترك مجالاً واسعا حتّى لكتب كبيرة ككتاب ابن الحاجب ( المتوفى 646هجريّة ) الذي يتألّف من عشرة مجلّدات ، وحتى أنّه جعل كتابه الآخر المسمّى بـ «منال الطالب في شرح طوال الغرائب» يبقى سنوات طويلة طيّ النسيان والمجهوليّة . ولهذا السبب اقتصرت الجهود التي بُذلت بعده على تذييل وتلخيص «النهاية» .
يمكن القول بأنّ قسم الأحاديث النبويّة من كتاب «النهاية» يمثّل أفضل مصدر يمكن أن يعوّل عليه الأشخاص الذين لايقصدون الاجتهاد والتتبّع والتحقيق في اللغة ، وإنّما يقصدون الحصول على معنىً مناسب للعبارة وتفسير ينسجم مع مواد القائل . إلاّ أنّ هذه الجهود لم تملأ فراغا واسعا يتعلّق بالروايات المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام ؛ سواء الروايات التي صدرت عن الأئمّة عليهم السلام مباشرة ، أم الروايات التي نقلوها عن النبيّ صلى الله عليه و آله . فالأئمّة عليهم السلام هم السلسلة الذهبيّة لأحاديث الرسول صلى الله عليه و آله وهم أدرى من غيرهم بما كان لدى جدّهم . وكان نقلهم ـ بشهادة الأحاديث التي وصلتنا ـ أصحّ وأوجز وأكثر اعتبارا ، بل لايمكن مقارنتها بالأحاديث العابرة التي نُقلت عبر حلقات منفصلة في العقود الاُولى لظهور الإسلام .
ومن هنا كان من الضروري استخراج الغريب من حديث الأئمّة عليهم السلام في جميع المجالات التي تحدّثوا فيها وخاصّة في الأدعية والمناجاة التي تتميّز بلحن يختلف عن الكلام العادي . ولكن من المؤسف أنّ مهجوريّة حديث أهل البيت عليهم السلام ، وقلّة الإمكانات المتاحة في المجتمعات الخاضعة للحكومات الجائرة ، حجب هذا العمل عن كثير من الأشخاص ، أو جعله باهض الثمن وغير ممكن على البعض الآخر منهم . ولعلّ بإمكان المرء أن يعتبر ظهور كتب لغويّة كبيرة ، والتدوين الألفبائي للمعاجم اللغوية كالصحاح للجوهري ،