19
غريب الحديث في بحارالأنوار ج1

رتّب ابن الأثير هذه الأقسام الثلاثة وفقا للترتيب الألفبائي المعروف على أساس موادّ الكلمات وأورد ـ بعد ذكر مادّة المفردة الغريبة التي هي بحاجة إلى الشرح ـ العبارة التي تقع فيها تلك اللفظة من الحديث لا كلّ الحديث . واتّبع اُسلوبا مختصرا في تفسير معاني المفردات الغريبة . وهذا الاُسلوب الحسن الذي اتّبعه ابن الأثير ، إضافة إلى الإحاطة والشموليّة التي يتميّز بهما كتابه الذي يضمّ حتّى المفردات الغريبة الواردة في كلام الصحابة والتابعين ، أدّى به إلى تسمية كتابه بـ «النهاية» . وهذا العمل الرائع البديع لم يترك مجالاً واسعا حتّى لكتب كبيرة ككتاب ابن الحاجب ( المتوفى 646هجريّة ) الذي يتألّف من عشرة مجلّدات ، وحتى أنّه جعل كتابه الآخر المسمّى بـ «منال الطالب في شرح طوال الغرائب» يبقى سنوات طويلة طيّ النسيان والمجهوليّة . ولهذا السبب اقتصرت الجهود التي بُذلت بعده على تذييل وتلخيص «النهاية» .
يمكن القول بأنّ قسم الأحاديث النبويّة من كتاب «النهاية» يمثّل أفضل مصدر يمكن أن يعوّل عليه الأشخاص الذين لايقصدون الاجتهاد والتتبّع والتحقيق في اللغة ، وإنّما يقصدون الحصول على معنىً مناسب للعبارة وتفسير ينسجم مع مواد القائل . إلاّ أنّ هذه الجهود لم تملأ فراغا واسعا يتعلّق بالروايات المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام ؛ سواء الروايات التي صدرت عن الأئمّة عليهم السلام مباشرة ، أم الروايات التي نقلوها عن النبيّ صلى الله عليه و آله . فالأئمّة عليهم السلام هم السلسلة الذهبيّة لأحاديث الرسول صلى الله عليه و آله وهم أدرى من غيرهم بما كان لدى جدّهم . وكان نقلهم ـ بشهادة الأحاديث التي وصلتنا ـ أصحّ وأوجز وأكثر اعتبارا ، بل لايمكن مقارنتها بالأحاديث العابرة التي نُقلت عبر حلقات منفصلة في العقود الاُولى لظهور الإسلام .
ومن هنا كان من الضروري استخراج الغريب من حديث الأئمّة عليهم السلام في جميع المجالات التي تحدّثوا فيها وخاصّة في الأدعية والمناجاة التي تتميّز بلحن يختلف عن الكلام العادي . ولكن من المؤسف أنّ مهجوريّة حديث أهل البيت عليهم السلام ، وقلّة الإمكانات المتاحة في المجتمعات الخاضعة للحكومات الجائرة ، حجب هذا العمل عن كثير من الأشخاص ، أو جعله باهض الثمن وغير ممكن على البعض الآخر منهم . ولعلّ بإمكان المرء أن يعتبر ظهور كتب لغويّة كبيرة ، والتدوين الألفبائي للمعاجم اللغوية كالصحاح للجوهري ،


غريب الحديث في بحارالأنوار ج1
18

للطريقة الألفبائيّة . واتّسم هذا الاُسلوب بالاختصار والخلو من أي خلل أو نقص ، ممّا جعل كتابه يلقى إقبالاً واسعا ، ولم يتخلَّ عن موقعه في ميادين البحوث والدراسات حتّى بعد ظهور كتابٍ غنيّ وغزير في محتواه ككتاب «الفائق» لمؤلّف شهير وقدير كالزمخشري ( المتوفى 548هجريّة ) وهو الكتاب الذي وصفه ابن الأثير بأنّه اسم على مسمّى .
بقيت طريقة أبيعبيد متداولة على مدى قرون عديدة ، وأضحت محورا لإكمال مجاميع غريب الحديث . ولهذا السبب أقبل علماء آخرون في غريب الحديث على إكمال كتابه ؛ لأنّ كتابه لو اكتمل وفقا لتلك الطريقة المبتكرة ، لما كانت هناك حاجة لكتاب جامع آخر ، أو لكتاب آخر ينتهج طريقة اُخرى . وعلى هذا الأساس جمع أبوموسى محمّد بن أبيبكر بن عمر المديني الأصفهاني ؛ الذي كان من مشاهير عصره في القرن السادس للهجرة ، كلّ مافات أبو عبيد الهروي ، في كتاب باسم «المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث» .
ووصف ابن الأثير في مقدّمة «النهاية» هذا الكتاب مقايسا له مع كتاب أبيعبيد بالقول : «يناسبه قدرا وفائدة ويماثله حجما وعائدة» . والحقيقة هي أنّ حجم هذا الكتاب وادّعاء مؤلّفه بأنّه استدراك على كتاب أبي عبيد ، يخلق لدى المرء تصوّرا بأنّه لو وضع هذا الكتاب إلى جانب كتاب أبي عبيد لأمكنه أن يدّعي بأنّه جمع فيه غريب الحديث كلّه ، ولولا مشكلة حجمه الكبير ، لكان خاتمةً لكلّ كتب غريب الحديث .
وانطلاقا من هذه الرؤية وضع ابن الأثير ( المتوفى 606هجريّة ) قدمه على هذا الطريق وعمل على عزل المفردات القرآنيّة منه رغبة في تقليل حجمه ؛ غير أنّه تنبّه منذ البداية إلى وجود مفردات كثيرة اُخرى في كتب الحديث كصحيحي البخاري ومُسلم ، تحتاج إلى شرح وتفسير . فواصل البحث والتنقيب ، وطالع تقريبا جميع اُمّهات كتب الحديث من أجل العثور على المفردات الغريبة فيها . ثمّ أضاف ما عثر عليه من مفردات جديدة إلى مجموع كتابي الهروي والمديني . ومعنى هذا أنّ كتاب ابن الأثير يتألّف من ثلاثة أقسام أساسيّة هي : مفردات «الغريبين» للهروي ، ومفردات «المجموع المغيث» للمديني ، وما جمعه هو بنفسه .

  • نام منبع :
    غريب الحديث في بحارالأنوار ج1
    المساعدون :
    مركز بحوث دارالحديث
    المجلدات :
    4
    الناشر :
    مؤسسة الطباعة و النشر وزارة الثقافة و الارشاد الاسلامی
    مکان النشر :
    تهران
    تاریخ النشر :
    1420 ق/ 1378 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86218
الصفحه من 462
طباعه  ارسل الي