97
غريب الحديث في بحارالأنوار ج2

فأشبهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألَما يتعقّبه نفع عظيم ، فهو يتردَّد في أ نَّه كيف يوصل هذا الألم إليه على وجه يقلُّ تأذّيه ؛ فلا يزال يظهر له ما يرغّبه فيما يتعقّبه من اللذَّة الجسميّة والراحة العظيمة إلى أن يتلقّاه بالقبول ، ويعدَّه من الغنائم المؤدِّية إلى إدراك المأمول ، فيكون في الكلام استعارة تمثيليّة .
أمّا وجوهه عند العامّة فهي أيضا ثلاثة :
الأوّل : أنَّ معناه : ما تردَّد عبدي المؤمن في شيء أنا فاعله كتردُّده في قبض روحه ؛ فإنّه متردِّد بين إرادته للبقاء وإرادتي للموت ، فأنا اُلطّفه واُبشّره حتّى أصرفه عن كراهة الموت ، فأضاف سبحانه تردُّد نفس وليّه إلى ذاته المقدَّسة كرامةً وتعظيما له ، كما يقول غدا يوم القيامة لبعض من يعاتبه من المؤمنين في تقصيره عن تعاهد وليّ من أوليائه : عبدي ! مرضتُ فلمْ تَعُدْني ؟ فيقول : كيف تمرض وأنت ربُّ العالمين ؟ ! فيقول : مرض عبدي فلان فلم تَعُدْه ، فلو عُدْتَه لوجدتني عنده ، وكما أضاف مرض وليّه وسقمه إلى عزيز ذاته المقدَّسة عن نعوت خلقه إعظاما لقدر عبده ، وتنويها بكرامة منزلته ، كذلك أضاف التردُّد إلى ذاته لذلك .
الثاني : أنَّ «تردَّدت» في اللّغة بمعنى «ردَّدت» مثل قولهم : فكّرت وتفكّرت ، ودبّرت وتدبّرت ، فكأ نَّه يقول : ما ردَّدت ملائكتي ورسلي في أمر حكمت بفعله مثلما ردَّدتهم عند قبض روح عبدي المؤمن ، فاُردِّدهم في إعلامه بقبضي له وتبشيره بلقائي ، وبما أعددت له عندي ، كما ردَّد ملك الموت عليه السلام إلى إبراهيم وموسى عليهماالسلام في القصّتين المشهورتين إلى أن اختارا الموت فقبضهما ، كذلك خواصُّ المؤمنين من الأولياء يردِّدهم إليهم رفقا وكرامةً ، ليميلوا إلى الموت ، ويحبّوا لقاءه تعالى .
الثالث : أنَّ معناه ما رددت الأعلال والأمراض والبرَّ واللّطف والرفق ، حتّى يرى بالبرِّ عطفي وكرمي ، فيميل إلى لقائي طمعا ، وبالبلايا والعلل فيتبرَّم بالدنيا ولا يكره الخروج منها(المجلسي : 64 / 155) .

۰.* وعن أبي إبراهيم عليه السلام في عبدالمطّلب لمّا حفر زمزم :«اللّهمّ صدق وعدك ، فأثبت لي قولي ، وكان هذا تَرداد كلامه» : 15 / 166 . التَّردَاد : التكرار .


غريب الحديث في بحارالأنوار ج2
96

۰.* ومنه في زيارة عاشوراء :«عجِّل فرجنا بالقائم عليه السلام واجعله لنا رِدْءا» : 98 / 311 .

۰.ردح : عن أميرالمؤمنين عليه السلام :«إنّ من ورائكم اُمورا متماحلة رُدُحا» : 41 / 317 . المُتماحلةُ : المُتطَاولة . والرُّدُح : الثقيلة العظيمة ، واحدها رَداح ، يعني الفِتَن(المجلسي : 41 / 318) .

۰.ردد : عن أميرالمؤمنين عليه السلام في صفته صلى الله عليه و آله :«لم يكن بالطويل المُمَغِّط ولا القَصير المُتَردِّدِ» : 16 / 190 . أي المُتنَاهي في القِصَر ، كأ نّه ترَدّد بعضُ خَلقه على بعض ، وتَداخَلَت أجزاؤُه(النهاية) .

۰.* وفي الحديث القدسيّ :«ما تردّدتُ في شيء أنا فاعله كتردّدي في موت عبديَ المؤمن ؛ إنّني لأُحبّ لقاءه ويكره الموت» : 64 / 154 . هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين الفريقين ، ومن المعلوم أ نَّه لم يرد التردُّد المعهود من الخلق في الاُمور التي يقصدونها فيتردَّدون في إمضائها ، إمّا لجهلهم بعواقبها ، أو لقلّة ثقتهم بالتمكّن منها لمانع ونحوه ، ولهذا قال : «أنا فاعله» أي لا محالة أنا أفعله لحتم القضاء بفعله ، أو المراد به : التردُّد في التقديم والتأخير لا في أصل الفعل . وعلى التقديرين فلابدَّ فيه من تأويل ، وفيه وجوه عند الخاصّة والعامّة ؛ أمّا عند الخاصّة فثلاثة :
الأوّل : أنَّ في الكلام إضمارا ، والتقدير لو جاز عليَّ التردُّد ما تردَّدت في شيء كتردُّدي في وفاة المؤمن .
الثاني : أ نَّه لَمّا جرت العادة بأن يتردَّد الشخص في مساءة من يحترمه ويوقّره كالصّديق ، وأن لا يتردَّد في مساءة من ليس له عنده قدر ولا حرمة كالعدوِّ ، بل يوقعها من غير تردُّد وتأمّل ، صحَّ أن يعبّر عن توقير الشخص واحترامه بالتردُّد ، وعن إذلاله واحتقاره بعدمه ، فالمعنى ليس لشيء من مخلوقاتي عندي قدر وحرمة كقدر عبدي المؤمن وحرمته ، فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيليّة .
الثالث : أ نَّه ورد من طريق الخاصّة والعامّة أنَّ اللّه سبحانه يُظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللّطف والكرامة والبشارة بالجنّة ما يزيل عنه كراهة الموت ، ويوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار ، فيقلُّ تأذّيه به ، ويصير راضيا بنزوله ، وراغبا في حصوله ،

  • نام منبع :
    غريب الحديث في بحارالأنوار ج2
    المساعدون :
    مركز بحوث دارالحديث
    المجلدات :
    4
    الناشر :
    مؤسسة الطباعة و النشر وزارة الثقافة و الارشاد الاسلامی
    مکان النشر :
    تهران
    تاریخ النشر :
    1420 ق/ 1378 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 94162
الصفحه من 455
طباعه  ارسل الي