الإفادة بطريق حديث « النظر إلي علي عبادة » - الصفحه 242

وأمّا والدته :

فهي حفيدة الإمام العلّامة أحمد بن عجيبة الحسني المتوفّى سنة 1225هـ صاحب التفسير و(شرح الحكم) و(الفهرسة) وغيرها من المصنّفات .
2 ـ أُسرته العلميّة : ترعرع المترجم له رحمه الله في أحضان أسرة علميّة عريقة ممّا هيّأ له ذلك الارتقاء إلى أعلى مراتب العلم .
فمن أعلام أسرته والده الذي تعاهده منذ صغره ، فبعد قراء ة القرآن الكريم اشتغل بالطلب عليه ، وكان مهتمّاً به غاية الاهتمام .
ومنهم : شقيقه الحافظ أبو الفيض شهاب الدين أحمد بن الصدّيق المولود سنة 1320هـ والمتوفّى سنة 1380هـ بالقاهرة . قيل : بلغت مصنّفاته أكثر من 200 مصنّف ، أكثرها في علم الحديث ، منها (المداوي لعلل المناوي) و(الهداية في تخريج أحاديث البداية) لابن رشد و(فتح الوهّاب بتخريج أحاديث الشهاب) للقضاعي ، وغيرها .
وله ترجمة في (تشنيف الأسماع) ص71 ـ 78 ، وموسوعة أعلام المغرب ، ومقدّمة كتابه (البرهان الجلي) بقلم : أحمد محمد مرسي ـ ومقدّمة (البداية) .
ومنهم : شقيقه المحدّث الأصولي أبو الفضل عبدالله بن الصدّيق المولود سنة 1328هـ والمتوفّى سنة 1413هـ . له مصنّفات كثيرة منها (الكنز الثمين) وشرحه و(بدع التفاسير) و(الابتهاج في تخريج أحاديث المنهاج) وأجزاء حديثيّة .
له ترجمة في (تشنيف الأسماع بشيوخ الإجازة والسماع) ص346 ـ 354 .
ومنهم : محمد الزمزمي ، والسيّد عبدالحيّ المتوفّى سنة 1415هـ ومن مؤلّفاته
 (الجواب المداوي لسؤال السلاوي) .
وللسيّد عبدالعزيزرحمه الله شقيقان آخران أصغر منه سنّاً ، هما العلّامة الأديب السيّد الحسن والعلّامة المشارك السيّد إبراهيم .
3 ـ نشاطه العلميّ وثقافته : بدأ السيّد عبدالعزيز الغُماري رحمه الله دراسته وطلبه للعلم منذ الصغر ، وبعد أن تجاوز بعض المراحل الدراسيّة في مسقط رأسه (طنجة) سافر إلى القاهرة سنة 1355هـ ، فأخذ عن أكابر شيوخها كالشيخ عبدالمعطي الشرشيمي ـ من كبار علماء الهيئة ـ والشيخ محمود إمام ، والشيخ عبدالسلام غنيم الدمياطي ، والشيخ محمد عزّت ، وغيرهم .
واستفاد أيضاً من شقيقه الحافظ السيّد أحمد بن الصدّيق في شتّى العلوم ، لا سيّما علم الحديث وفنونه الذي تضلّع فيه وبرع ، وأصبحت له اليد الطولى في صناعته ، فألّف فيه المؤلّفات الكثيرة ، وصار من كبار المشايخ المحدّثين الذين يستجاز منهم . ولذلك استجازه في الحديث كثير من طلبة العلم في مختلف الأقطار والبلدان لوفرة طرقه وعلوّ إسناده .
وله في ذلك (معجم الشيوخ) ، كما وضع الأستاذ محمود سعيد ممدوح ثَبَتاً صغيراً لطرقه سمّـاه (فتح العزيز بأسانيد السيّد عبدالعزيز) طبعته دار البصائر بدمشق سنة 1405هـ .
ونشر أبحاثاً علميّة جمّة طوال عشرات السنين ، بدأها بمجلّة (الإسلام) عندما كان بالقاهرة إلى (البلاغ) و(الخضراء الجديدة) الأسبوعيّة اللتين تصدران بطنجة وقد بلغت المئات .
وترجمت مقالاته إلى عددٍ من اللّغات وخاصة الإنجليزيّة والفرنسيّة والإسبانيّة ، ومنها ما أعيد نشره في جرائد عالميّة ، منها جرائد تصدر من باريس ولندن .
ولمّا عاد إلى طنجة سار على ذلك النهج الذي ارتسمه لنفسه ، فكان يجيب على
أسئلة السائلين ويثقّف الناس ويعظهم من خلال كتاباته في الصحف والمجلّات وخطب الجمعة .
وبالجملة : فقد كان عالماً عاملاً ، وواعظاً متّعظاً ، ترسخ عظاته ونصائحه في قلوب السامعين لحسن سريرته وطيب طويّته .
هذا ، مع سعة اطّلاعه وقوّة نظره ، وجودة استحضاره للمسائل ، ومسايرته مع التطوّر الحضاري والتفتّح العصري شأن كلّ مرشدٍ واعٍ .
4 ـ سيرته وجهاده : لقد قضى السيّد العلّامة عبدالعزيز بن الصدّيق حياته في خدمة العلم والدفاع عن كلمة الحقّ ، والوقوف إلى جنب الضعفاء والمقهورين والعمل على إسعاد الناس ، وحلّ مشاكلهم .
كان رحمه الله آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، شجاعاً في انتقاد كلّ ما يجب انتقاده ، لا يخشى في الله لومة لائم ، يقول الحقّ ولو في أقرب الناس إليه ، كما كان يتقبّل بصدرٍ رحبٍ أيّ انتقادٍ يوجّه إليه ما دام هذا النقد في طريق الحقّ . وله في ميدان الجهاد عن العقيدة الإسلاميّة الصحيحة ومحاربة الوهابيّة والنواصب مواقف مشهودة وردود دامغة كشف بها الستار عن الحقائق ، كما هو ديدن كلّ مصلحٍ كبيرٍ ، ولكن لا يسع المقام لذكرها .
5 ـ مؤلّفاته : إنّ المحدّث ابن الصدّيق من الذين كان لهم سهم وافر في إغناء المكتبة العربيّة ولا سيّما الحديثية بالمؤلّفات القيّمة المتنوّعة ، ونذكر هنا بعضاً منها .
1 ـ تسهيل المَدْرج إلى المُدرج .
2 ـ التأنيس بشرح منظومة الذهبي في أهل التدليس .
3 ـ بلوغ الأماني من موضوعات الصاغاني .
4 ـ إتحاف ذوي الفضائل المشتهرة بما وقع من الزيادات من نظم المتناثر على الأزدهار المتناثرة .
5 ـ الباحث عن علل الطعن في الحارث .
6 ـ التحفة العزيزيّة في الحديث المسلسل بالأوليّة .
7 ـ جزء في بيان حال حديث : أحبب حبيبك هوناً مّا .
8 ـ التعطّف في تخريج أحاديث التعرّف .
9 ـ جلاء الدامس عن حديث : لا تردّ يد لامس .
10 ـ الجواهر المرصوعة في ترتيب أحاديث اللآلي المصنوعة .
11 ـ الجامع المصنّف لما في الميزان من حديث الراوي المضعّف .
12 ـ وثبة الظافر لبيان حال حديث : أترعوون عن ذكر الفاجر .
13 ـ المشير إلى ما فات المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير .
14 ـ أزهار الكمامة في صحّة حديث الغمامة .
15 ـ جني الباكورة في طرق حديث : لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة .
16 ـ جزء في طرق حديث : لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد .
17 ـ الجواهر الغوالي في الاستدراك على اللآلي .
18 ـ التهاني في التعقّب على موضوعات الصاغاني .
19 ـ تذكرة الأحاديث الموضوعة والتي لا أصل لها .
20 ـ التبيان لحال حديث : أنا ابن الذبيحين .
21 ـ المقتطف من حديث المخصوص بكامل العزّ والشرف .
22 ـ الفتح الوهبي في الكلام على محمد بن السائب الكلبي .
23 ـ الإفادة بطرق حديث : النظر إلى عليٍّ عبادة .
وهو الكتاب الذي بين يديك ، وقد تّم تأليفه عام 1365هـ بالقاهرة ، ولكنّه لم يطبع إلى الآن ـ فيما تعلم ـ سوى مرّة واحدة ، حيث طبع بالآلة الكاتبة في 25 صفحة من القطع الكبير .
وقد تفضّل السيّد عبدالمغيث بن عبدالعزيز بن الصدّيق بإرسال نسخةٍ منه ،
فتمّ تصحيحها وإعدادها للطبع في هذا العدد من مجلّة (علوم الحديث) الغرّاء ، فله منّا خالص الشكر والتقدير .
وممّا يجدر التنبيه عليه هنا أنّ المصنّف رحمه الله كان قد فرغ من تأليف هذا الكتاب قبل حوالي 53 سنة ، وهو إذ ذاك في السنة السابعة والعشرين من عمره ، وقد أظهر فيه مقدرته العلميّة وإحاطته التامّة بعلوم الحديث وعلله ، وأبان عن بلوغه مرتبة النقّاد المجتهدين في الجرح والتعديل ، وذلك من فضل الله تعالى وبركاته عليه .
6 ـ وفاته : وبعد عمر مبارك مديدٍ قضاه محدّث المغرب السيّد عبدالعزيز الصدّيق رحمه الله في إعلاء كلمة الحقّ وخدمة العلم وأهله لبّى نداء ربّه يوم الجمعة 6 رجب 1418هـ بعد صلاة العصر .
وشيّع جثمانه يوم السبت ـ بعد أن غُسل بماء زمزم ـ في موكبٍ عظيم شارك فيه عشرات الآلاف من المشيّعين ، وكان هذا أكبر تشييع تشهده طنجة لحدّ الآن ، فحمل نعشه من داره إلى المسجد الأعظم ، وتقدّم للصلاة عليه ولده الأكبر الدكتور محمد بن الصدّيق ثم ولده عبدالمغيث بن الصدّيق ، ثم حمل إلى الزاوية الصدّيقيّة حيث مثواه الأخير ، فدفن هناك ظهر يوم السبت .
وله رحمه الله ذريّة طيّبة ، نسأل الله تعالى أن يوفّقهم لاقتفاء أثر والدهم العلّامة وأسلافهم الكرام ، وهم :
1 ـ الدكتور محمد
 2 ـ عبد المنعم
3 ـ عبدالمغيث
 4 ـ عبدالأعلى
 5 ـ بنت .
والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وصلّى الله وسلّم على محمّد وآله الطاهرين .
حسن الحسيني آل المجدّد الشيرازي
30 شوّال المكرّم 1418هـ .
الحمد لله على ما ألهم وعلّم ، وصلّى الله على سيّدنا ومولانا محمّدٍ وعلى آله وصحبه وسلّم .
وبعد :
فهذا جزءٌ سمّيته «الإفادة بطُرُق حديث النظر إلى عليٍّ عبادة» جمعته رجاءَ الانخراط في سلك شيعة هذا الإمام الجليل الذي جمع من العلوم والمعارف الربّانيّة ما لم يجمعه غيره ، وحاز من الشرف والمجد وعلوّ المكانة ما لم يظفر سواه بعُشْر مِعْشاره .
فقد سمّـاه رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم سيّد العرب ، وفي بعض الروايات : سيّد المؤمنين .
وكان صهراً لسيّد الأنبياء والمرسلين صلّى الله عليه و آله و سلّم ، وزوجاً لسيّدة نساء العالمين عليها الصلاة والسلام ، وأباً لسيّدَيْ شباب أهل الجَنّة صلّى الله عليهما وسلّم .
فلم يجتمع لأحدٍ غير عليّ بن أبي طالبٍ عليه السّلام هذا الشرف وهذه السيادة :
فأبو بكرٍ الصدّيق رضي الله عنه كان صهراً لسيّد الأنبياء والمرسلين ، لكن لم يكن زوجاً لسيّدة نساء العالمين ، ولا أباً لسيّدَيْ شباب أهل الجَنّة ، ولا قال له رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم : إنك سيّد العرب ، أو سيّد المؤمنين ۱ .
وكذلك عمر ، وكذلك عثمان رضي الله عنهما .
وإذا عُدمت هذه الأوصاف في خير الأصحاب ، وفُقدت هذه الخصال من الخلفاء الثلاثة ، فوجودها في غيرهم من المستحيل ، إن لم يكن عقلاً فعادةً . لا
يطمع ـ بعد هذا ـ حاقدٌ مريض القلب ، أو جاهلٌ غبيّ لا يدري الطول من العرض ، في محاولة أن يجعل أحداً بعد رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم مساوياً لهذا الإمام عليه السّلام في الفضل ، فضلاً عن أن يجعله أفضل منه .
بل ، هو سيّدهم جميعاً بمقتضى قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم : إنّه سيّد العرب ، ومولاهم جميعاً بمقتضى قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» .
ودعوى كون الجمهور على خلاف هذا ، إن لم تكن كاذبةً فهي إلى الكذب أقرب؛ فقد ذهب إلى ما ذهبنا إليه في تفضيل عليٍّ عليه السّلام على جميع الصحابة جمعٌ ـ إن لم يكن أكثر من ذلك الجمهور فلا يقلّ عنه عدداً ـ كما يظهر لمن بحث ونظر في ذلك بعين الحقّ والإنصاف ـ .
وهو مذهب سلمان ، وأبي ذرٍّ ، والمقداد ، وخبّاب ، وجابر ، وأبي سعيدٍ الخدريّ ، وزيد بن الأرقم ، وأبي الطفيل عامر بن واثلةً رضي الله عنهم .
فمن ادّعى ـ كذباً وزوراً ـ ضلالة من فضّل عليّاًعليه السّلام على جميع الصحابة رضي الله عنهم ـ بعد أن علم مذهب هذا العدد من علمائهم ـ فهو الضالّ حقّاً .
ولو لم يكن في هذا قولٌ لصحابيّ فرَمْيُ صاحِبه بالضلال غلوٌّ فاحشٌ يدلّ على الجهل والتعصب الممقوت .
فما دام الرجل يقول في الشيخين رضي الله عنهما خيراً ، ويُثني على جميع الصحابة ، فذهابه إلى ترجيح أحدهم عليهم في الفضل ـ لما ثبت لديه من الذلائل في ذلك ـ لا يضرّه في دينه ، ولا يخدش في عقيدته ، خصوصاً والمسألة موضع خلافٍ في القديم والحديث .
فالقائل بفضل عليٍّ عليه السّلام على الصحابة جميعاً لم يأتِ بقولٍ لم يُسبق إليه ، أو بمذهبٍ ابتدعه ، وإنّما نظر في أقوال الفريقين ، ورجّح منها ما هداه إليه الدليل الذي ثبت إليه ، وهو في هذا مجتهدٌ كغيره من المجتهدين ، إن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجرٌ واحد .
وهذا الموضوع ليس من المواضيع القطعيّة التي فيها الحقّ مع واحدٍ ، حتى لا يجوز الاجتهاد فيه والنظر ، وإلّا لما اختلف المسلمون في ذلك منذ العصر الأوّل ، بل هو كغيره من المسائل النظريّة التي يظهر الحقّ فيها بالنظر إلى الدليل واتّباعه .
إذا تقرّر هذا فلا معنى لتعنيف من قال بهذا القول وذهب إليه ، فضلاً عن رميه بالفسق والضلال!
وقد روى عبدالرزّاق عن معمر قال : لو أنّ رجلاً قال : عمر أفضل من أبي بكر ما عنّفته ، وكذلك لو قال : «عليّ أفضل عندي من أبي بكرٍ وعمر» لم أعنّفه إذا ذكر فضل الشيخين وأحبّهما وأثنى عليهما بما هما أهله .
قال عبدالرزّاق : فذكرتُ ذلك لوكيعٍ فأعجبه واشتهاه .
وقولهم : إن الجمهور على تفضيل الثلاثة على عليٍّ عليه السّلام ؟!
ـ على تسليم صحّته ـ فهو مردود ، لأنّ العبرة بجَمْهَرة العقلاء ، الذين يبنون قولهم على الدليل الصحيح البيّن .
أمّا الجمهور الذي يعتمد في قوله على دسائس النواصب ـ أعداء الله ورسوله وأهل بيته ـ فقوله لا يَلتفت إليه عاقل ، ولا يركن إليه إلّا أهل الغفلة الذين تروج عليهم الأكاذيب في صورة الحقّ والصدق ، أو أهل الضلالة الذين يعلمون الحقّ ويقرّون به في قلوبهم ، ويمنعهم من الإفصاح به مرضٌ في القلب ، أو غِلٌّ في الصدر ـ كما هو حال أغلب من ناصب العداء والكراهية لعليٍّ عليه السّلام .
ولم يكلّفنا الله باتّباع الجمهور ، وإنّما كلّفنا باتّباع الدليل والبرهان .
فإذا ثبت عند أحدٍ صحّة دليل قولٍ وخالفه ، واتّبع الجمهور في قولٍ يعلم بطلانه وفساده وبُعده عن الحقّ والصواب ـ كقوله هنا في حقّ عليٍّ عليه السّلام ـ فهو آثمٌ خاطي ءٌ .
ونضرب لهم مثلاً برجلٍ في أُمّةٍ لم تصلها دعوة التوحيد ، وهداه الدليل إلى أنّ الله واحد لا شريك له ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد ، ثم رأى أن هذا الدليل
يخالف مذهب أُمّته في الشرك وعبادة غير الله الواحد القهّار ، فهل يجوز له أن يترك هذا الدليل ويتّبع الجمهور في الشرك والكفر بالله؟! ويكون ذلك عذراً له عند الله في عدم العقاب؟!
فإن قالوا : «يجوز ذلك» ، كفروا .
وإن قالوا : لا ، قلنا لهم : فلماذا خالفتم هذا هنا ، وجعلتم الجمهور مقدّماً على الدليل؟!
والحقّ واحد مهما اختلفت وتعدّدت أطواره .
فلا يجوز لقائلٍ أنْ يقول : إنّ مخالفة الدليل في ذلك المَثَل الذي ضربته غيرها في مِثْل هذه المسألة .
لأنّ الحقّ يجب نصره واتّباعه ، والباطل يجب ردّه وخذلانه في جميع الأمور والأحوال؛ غير أنّه في بعض الأحيان يظهر الحقّ في صورة واضحة جليّةٍ لا يمكن لنفسٍ ـ مهما كانت جاهلةً قاصرةً ـ أن تحيد عنه وتعتقد خلافه؛ وفي بعض الأحيان يظهر في صورةٍ يراها الجاهل القاصر خفيّة ، قد يرى صورة الباطل أوضح منها في نظره لقصوره عن معرفة الدليل الذي يُظهر الحقّ واضحاً جليّاً في جميع أحواله .
أما ذوو العلم والمعرفة فلتمكّنهم ورسوخ قدمهم في العلم يرون الحقّ في جميع الأحوال والأطوار على صورةٍ واحدةٍ ، ظاهراً ، جليّاً ، واضحاً ، غير خفيّ ، لا يمكن الرجوع عنه ، ولا الركون إلى غيره .
فالأشعري مثلاً ـ لركونه إلى الجمهور ، وتقليده له ، وعدم بحثه عن الدليل ـ يرى الحقّ في مسألة تفضيل عليٍّ عليه السّلام على جميع الصحابة رضي الله عنهم في صورةٍ ضعيفةٍ خفيّةٍ لا تركن نفسه إليها ، ويرى ما ذهب إليه الجمهور ـ وهو باطلٌ محضٌ ـ في صورةٍ واضحةٍ جليّةٍ!
وسبب ذلك ۲ ركونه إلى التقليد ، واعتناقه لقول الجمهور من غير بحث ونظرٍ في دليله .
والحاصل أنّ العبرة بالقول المبنيّ على الدليل ، فلو كان أهل الأرض في جانبٍ والدليل في جانبٍ لكان الحقّ مع من أخذ بالدليل ، رغم خلاف العالم كلّه له .
وإذا تتبّعت أحوال الاُمم اليوم وجدت الذين يدينون بغير التوحيد يزيدون ثلاثة أثلاثٍ على الذين يدينون بالتوحيد ، ولم يقل مجنونٌ فضلاً عن عاقلٍ : إنّ الحقّ مع هذه الأغلبيّة الساحقة في الكفر .
فعلى المسلم الحريص أن لا يغترّ بما يدْعونه قول الجمهور ، ولا يعمل بقولٍ حتى يتأكّد من صحة دليله ، فما صحّ دليله فهو قوله ـ ولو كان العالَم كله على خلافه ـ .
إذا علمت هذا ، فما يُدَنْدِنُ حوله مَنْ ألّف في العقائد من أنّ الجمهور على أنّ عليّاًعليه السّلام هو آخر الأربعة في الفضل ، قولٌ كلّه زورٌ ، وكذبٌ ، وبهتانٌ ، وكفرٌ بفضل هذا الإمام عليه السّلام اخترعه أهل النفاق ، وراج على البُله من المؤلّفين المؤمنين؟!
والأمر لله .
والدليل على ذلك ، أن الأفضليّة تثبت بكثرة الخصال المميّزة لشخصٍ عن غيره ، وكلّما زادت هذه الخصال ؛ زاد فضل صاحبها على غيره .
فإذا قلت مثلاً في مجلسٍ من العقلاء : إن زيداً عالم ، وشريف النسب ، وكريمٌ ، وشجاعٌ ، وذكرت خصالاً كثيرةً تجمّعتْ فيه ، وقلتَ : إنّ عمراً عالمٌ ، أو شريفٌ لا غير .
فلا شكّ أنّ أهل ذلك المجلس يعتقدون بفضل زيدٍ على عمروٍ ، لكثرة الخصال المميّزة التي اجتمعت فيه ، ولم تجتمع في عمروٍ ، وهذا ظاهرٌ لكلّ ذي لُبٍّ ، ومخالفته تدلّ على جهلٍ عظيم .
وقد تتبّعت فضائل الصحابة رضي الله عنهم ، فلم نجد لأحدهم قطرةً من بحر ما ورد في عليٍّ عليه السّلام من الأحاديث الصحيحة الشاهدة بفضله على الصحابة جملةً ، لا فرق بين الخليفة الأوّل ولا غيره!
فما ورد في علمه ، وورعه ، وشجاعته ، وحبّه الله ورسوله ، وحبّ الله ورسوله له ، وكونه من الرسول بمنزلة هارون من موسى ، وكونه سيّد العرب وسيّد المؤمنين ، ومولى من كان الرسول مولاه ، وإلى غير هذا ممّا يصعب حصره والإحاطة به لم يَرِدْ عُشْره في غيره من الصحابة مطلقاً ، مهما علت منزلته وارتفع قدره ۳ .
ومن جعل الأفضليّة علامةً ـ غير ما ذكرنا ـ فليأت بدليله إن كان صادقاً ، ولن يجد إلى ذلك سبيلاً .
ثمّ يجب أنْ تعلم أنّه ما وردت في صحابيّ فضيلة إلّا وورد في عليٍّ عليه السّلام مثلها ، بخلاف عليٍّ فقد وردت فيه فضائل لم تثبت لغيره مطلقاً ، فهو جامعٌ مانعٌ ، جامعٌ لمحاسن غيره ومانعٌ لمحاسنه أنْ تذهب إلى سواه .
كما قال سلمان الفارسيّ رضي الله عنه ـ فيما رواه عنه الرافعيّ في «التدوين» ۴ : أنبأنا عليّ ابن عبدالله ، نبأ أبو زرعة عبدالكريم بن إسحاق بن سهلويه ، نبأ أبو بكر الدينوري أجازةً ، سمعت أبا منصورٍ عبدالله بن عليّ الأصبهانيّ ببروجرد ، سمعت أبا القاسم الطبرانيّ ، ثنا أحمد بن عبدالوهّاب بن نجدة ، عن أشياخه ، قال : لمّا كان يوم السقيفة اجتمعت الصحابة على سلمان الفارسيّ رضي الله عنه ، فقالوا : يا أبا عبدالله ، إنّ لك سنّك ودينك وعلمك ۵ وصحبتك من رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم ، فقل في هذا الأمر قولاً يخلد عنك ، فقال : «گويم اگر شنويد» ۶ .
ثم غدا عليهم فقالوا : ما صنعت يا أبا عبدالله؟
فقال : «گفتم اگر بكار بريد» ۷ .
«ثم أنشأ يقول :

ما كنتُ أحسب أنّ الأمر منصرفٌ-عن هاشم ثم منهم عن أبي الحسن
أليس أول من صلّى لقبلته-وأعلم القوم بالأحكام والسنن
ما فيهم من صنوف الفضل يجمعها-وليس في القوم ما فيه من الحسن
ويقال : ليس لسلمان غير هذه الأبيات .
فهل يقول ـ بعد هذا ـ جهولٌ متعنّت : إنّ في الصحابة من هو أفضل من عليٍّ عليه السّلام ؟!
فإن قيل : إن أبا بكرٍرضي الله عنه اختصّ بالصدّيقيّة :
قلنا : وعليّ أيضاً صدّيق ، وزوج الصدّيقة ، ووالد الصدّيقين ، فمن نفى الصدّيقية عن هؤلاء فهو جاهلٌ ، مظلم القلب ، ليس له من نور الإيمان شي ءٌ ، بل ورد فيهم عليهم السّلام ما هو أعظم من الصدّيقية ، لأنّ الصدّيقيّة ـ كما قال سيّدي عبدالوهّاب الشعراني رضي الله عنه في «كشف الحجاب والران عن وجه أسئلة الجانّ» ۸ نقلاً عن مولانا الشيخ الأكبررضي الله عنه ـ : أقلّ من مقام القربة ، وجَعَل مقام القربة يلي النبوّة ، وبعدها الصدّيقيّة .
وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام ورد في أحاديث كثيرة ما يثبت لهم مقام القربة ، بل جَعَل الرسول صلوات الله عليه وآله حبّهم كحبّ الله ، وبغضهم كبغض الله ، وجَعَل المتمسّك بحبّهم متمسكاً بحبل الله المتين الذي لا ينفصم ، وجَعَل من علامة النفاق بغض عليٍّ عليه السّلام وهذا يكاد يكون من شأن الأنبياء قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله .
فمن كان حبّه علامة على حبّ الله ، وبغضه علامة على الكفر والنفاق ، فلا يشكّ مسلم أنّه من أهل القربة الذين جعلهم الصوفيّة رضي الله عنهم أرقى وأعلى من أهل الصدّيقيّة .
وبهذا تعلم معنى قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم لعليّ : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي .
فهارون كان خليفةً لموسى في قومه ، وكان الكفر به كالكفر بموسى ، لأنّه خليفته متمّم لرسالته ، فالكفر به كفرٌ بموسى عليه السّلام ، فشابَه عليٌّ بهارونَ في هذا القدر ، وهو أنّ بغضه بغضٌ للرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم ، والكفر بفضله ومزيّته كفرٌ بفضل ومزيّة أهل بيته الذين قال فيهم صلّى الله عليه و آله و سلّم : إنّي خلّفت فيكم اثنتين لن تضلّوا بعدهما : كتاب الله ونسبي ، ولن يتفرقا حتّى يردا عليَّ الحوض .
وهو حديثٌ صحيح له طرق متعدّدة ، سأفردها بجزءٍ إن شاء الله تعالى ، وأولاد الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم لم يظهروا إلّا من صُلب عليٍّ عليه السّلام ، فبغضه يؤدّي بصاحبه إلى الإعراض عن أحد الأسباب التي تعصم من الضلال والغواية .
وإذا ترك هذا السبب ترك السبب الآخر ، وهو كتاب الله لا محالة ، لأنّ الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم أخبر بتلازمهما ، وعدم افتراقهما حتّى يردا على الحوض .
ومن هنا يتحقّق فراغ قلوب أعداء عليٍّ عليه السّلام وأولاده من الإيمان ـ كما يشهد لذلك قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم : لا يبغضك إلّا منافق ـ .
وهارون كان خليفة لموسى في قومه ليسوسهم بالوعد والوعيد حتّى لا يعبدوا الأصنام ويكفروا بربّهم ، فكانت خلافته لموسى في بني إسرائيل ظاهرةً غير باطنةٍ ، لأنّ النبوّة شأنها ذلك ، لا تكون إلّا ظاهرةً ليتمّ الإنذار والوعد والوعيد ، وتقوم الحُجّة على الجاحد .
أمّا عليٌّ عليه السّلام فكانت خلافته لرسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم في الباطن ، لأنّ النبوّة خُتمت به صلّى الله عليه و آله و سلّم ، فورث عن الرسول علوماً جمّة كثيرةً ، والأنبياء لا يورّثون إلّا
العلم ، فأخذ عن الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم من العلوم والأسرار والمعارف ما يعجز عن وصفه العارفون ـ أهل الكمال والنور ـ فضلاً عمّن يأخذ الأخبار من بطون الكتب والدفاتر .
لأنّه لا يَعرف قدر الشخص إلّا من كان في منزلته ورتبته ، كما قال محمّد بن يحيى في حقّ الإمام الغزالي رضي الله عنه : لا يعرف فضله إلّا من بلغ أو كاد يبلغ الكمال في عقله .
قال التاج السُبْكيّ رحمه الله في (الطبقات الكبرى) ۹ ـ عقبه ـ : قلت : يعجبني هذا الكلام ، فإنّ الذي يحبّ أن يطّلع على منزلة من هو أعلى منه في العلم يحتاج إلى العقل والفهم ، فبالعقل يميّز ، وبالفهم يقضي ، ولمّا كان علم الغزاليّ في الغاية القصوى احتاج من يريد الاطّلاع على مقداره أن يكون هو تامّ العقل .
وأقول : لابدّ مع تمام العقل من مداناة مرتبته في العلم لمرتبة الآخر ، وحينئذٍ فلا يعرف أحدٌ ممّن جاء بعد الغزاليّ قدر الغزالي ، ولا مقدار علم الغزاليّ إذا لم يجي ء بعده مثله .
ثمّ المُداني له إنما يعرف قدره بقدر ما عنده ، لا بقدر الغزالي في نفسه .
سمعت الشيخ الإمام يقول : لا يعرف قدر الشخص في العلم إلّا من ساواه في رتبته ، وخالطه مع ذلك .
قال : وإنّما يعرف قدره بمقدار ما أوتيه هو . . . إلى آخر كلامه .
فإذا قيل هذا في الغزاليّ، فماذا عسى أن يُقال في عليٍّ عليه السّلام ؟ ومنزلته ورتبته وقدره في العلم والمعرفة بالمكان الذي لا يطمع أحدٌ في مداناته فضلاً عن الوصول إليه ۱۰ .
وقد أشار عليٍّ عليه السّلام إلى هذا في وصيّته لكميل بن زياد ـ وهي مرويّة عنه من طرقٍ ـ حيث قال له : هاه ، إنّ هاهنا ـ وأشار بيده إلى صدره ـ علماً لو أصبتُ له حَمَلةٍ!
ومن هنا كانت طريق أهل الخصوصيّة مأخوذة عنه عليه السّلام ، ومتّصلة به على اختلاف مشاربها ، لأنّه صاحبها ووارثها عن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم دون غيره .
فخلافة عليٍّ للرسول صلوات الله عليه تشابه خلافة هارون لموسى عليهما السّلام في المعنى ، وإنما تختلفان في أنّ خلافة هارون كانت ظاهرة يجب على بني إسرائيل جميعهم ـ جاهلهم وعالمهم ـ الانقياد لها ، وخلافة عليّ بن أبي طالبٍ للرسول صلوات الله عليه وآله باطنيّة لا ينقاد لها إلّا أهل الخصوصيّة الذين أكرمهم الله بنور البصيرة ، وهيّأ لهم طريق السعادة ، ولهذا لا تجد صوفيّاً مُدْبِراً عن عليٍّ عليه السّلام ، لأنّه لا يصل إلى ربّه من غير طريقـ[ـه] ، فيجب عليه الانقياد والخضوع لخلافته الباطنيّة ، كما كان يجب على بني إسرائيل اتّباع هارون والإيمان به .
فخلافة هارون وعليٍّ من حيث المعنى واحدة ، فالكلّ منهما يوصل المؤمن بهما إلى درجة السعادة والرضوان .
ثمّ إنّهم قالوا في تعريف الصدّيقيّة : هي درجة خواصّ أصحاب الرسل .
ومن يشكّ في أنّ عليّاًعليه السّلام من خواصّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم ؟ بل هو من خواصّ خواصّهم .
فالصدّيقيّة ثابتة له بمقتضى هذا التعريف ، ولو لم يرد ما يثبتها له ، وإلّا فقد علمتَ أنّ مقام عليّ بن أبي طالبٍ عليه السّلام أعلى وأعظم من مقام الصدّيقيّة كثيراً ، وبيّنّا ذلك بالدليل الواضح ، وأخبر بذلك عليّ عليه السّلام عن نفسه .
قال ابن ماجة في (سننه) ۱۱ : حدّثنا محمّد بن إسماعيل الرازي ، ثنا عبدالله بن موسى ، أنبأنا العلاء بن صالحٍ ، عن المنهال ، عن عبّاد بن عبدالله ، قال : قال عليّ : أنا عبدالله ، وأخو رسوله صلّى الله عليه و آله و سلّم ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلّا كذّاب ، صلّيت قبل الناس بسبع سنين .
قال الحافظ البوصيريّ في (زوائده) ۱۲ : إسناده صحيح ، ورجاله ثقات .
فقوله عليه السّلام : لا يقولها بعدي إلّا كذّاب ، يريد به الصدّيقيّة الكبرى لا مطلق الصدّيقيّة ، لأنّه قد ثبت من طرقٍ ـ فيها المرفوع والموقوف ـ تسمية أبي بكرٍ بالصدّيق .
والصدّيقيّة الكبرى هي المقام الذي أشرنا إليه سابقاً ، وقلنا : إنّه مقام فاطمة وعليّ والحسن والحسين عليهم السّلام ، وهو الذي سمّاه الشيخ الأكبر مقام القُربة ، وأخبر أنه يلي مقام النبوّة .
ولا يخفى عليك أنّ في كلّ مقامٍ من المقامات المعنويّة مقامات متفاوتة المراتب والدرجات ، فالصدّيقيّة مثلاً فيها مقامات ومراتب ـ كما بيّن ذلك عليّ عليه السّلام بقوله : أنا الصدّيق الأكبر ـ .
فمقام أبي بكرٍرضي الله عنه فيها غير مقام فضلاء المؤمنين الذين وصفهم الله بالصدّيقية في قوله : والذين آمنوا أولئك هم الصدّيقون .
وغير مقام الصدّيق الذي يكتب صدّيقاً بسبب تحرّيه الصدق في كلامه ـ كما ورد في الحديث ـ .
وكلّ هذا معلوم لا يحتاج إلى بيان .
وتقديم الثلاثة على عليٍّ عليه السّلام في الخلافة وكون الإجماع على هذا الترتيب حقّ
لا شكّ فيه ، لكن لا يدلّ على فضلهم عليه ، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ ، لأنّ الأسبقيّة في الترتيب لا تفيد الأفضليّة مطلقاً .
وقد جعل الله تعالى آدم عليه السّلام ، كأولي العزم ، وأتى في آخرهم نبيّناصلّى الله عليه و آله و سلّم ، وهو أفضل الجميع بإجماع أهل التوحيد .
فمن ذهب إلى تفضيل الثلاثة على عليٍّ عليه السّلام ـ بسبب تقدّمهم عليه في ترتيب الخلافة ـ فليقل إذاً بفضل الأنبياء الذين تقدّموا على نبيّناصلّى الله عليه و آله و سلّم ، لأنّه جاء بعدهم في الترتيب!
وجعل الله صلاة العصر آخر صلوات النهار ، وقد ورد في فضلها ما لم يرد فيما قبلها من الصلوات ، كحديث : « من فاتته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله وماله » .
وهو في الصحيح ۱۳ .
وحديث : «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله » .
وهو في الصحيح أيضاً ۱۴ . ولم يرد في الظهر ـ وهي قبلها ـ هذا الفضل وهذه المزيّة .
فالأسبقيّة في الترتيب لا تدلّ على الأفضليّة ما لم يدلّ دليلٌ على ذلك ، وأين الدليل هنا؟
على أنّنا لا نقول باطلاً إذا عكسنا وقلنا : إنّ وجود عليٍّ عليه السّلام آخر الخلفاء في الترتيب يدلّ على فضله عليهم ، فهو خاتِمٌ لخلفاء رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم ، كما جُعل الرسول صلوات الله عليه وآله ـ لفضله ، وشرفه ، وعلوّ مقامه ـ خاتم أنبياء الله وخلفائه في الأرض .
والخلاصة : أنّ ترتيب الخلفاء على هذا السياق لا يدلّ على فضل السابق منهم
على اللاحق ، وبالله تعالى التوفيق ، ومنه المعونة والتأييد .
وبعد هذا نشرع في الكلام على طرق الحديث ، وبيان الصحيح منها من الضعيف ، فنقول :
ورد هذا الحديث من حديث عبدالله بن مسعود ، وابن عبّاسٍ ، وجابرٍ ، وثوبان ، وأبي بكرٍ الصدّيق ، وعثمان بن عفّان ، وأبي هريرة ، ومعاذ بن جبلٍ ، وعمران بن حصينٍ ، وأنسٍ ، وعائشة ، وأبي ذرٍّ رضي الله عنهم .

1.المستدرك على الصحيحين ۳/۱۲۴ .

2.وسببٌ آخر يمنع الإنسان من اتّباع الحقّ والعمل به ـ ولو مع وضوحه وظهوره ظهور الشمس في وَضَح النهار ـ وهو نشوؤه على أمرٍ تلقّاه عن آبائه وعشيرته ، ووجد عليه البيئة التي تربّى فيها ، والوسط الذي شبّ فيه ، وذلك له أثرٌ عظيم جدّاً على التفكير ، والنظر في الأدلّة الشرعيّة بالطريق الذي يجعل القلب ينشرح للعمل بها بدون تردّدٍ ولا التفاتٍ لقولٍ أو لرأيٍ يخالفها ، وبسط هذا بأدلّته له موضع آخر . وقد أشار إلى لُمْعةٍ منه ابن خلدون في مقدّمته ـ وإن كان لم يسهب ـ . فمثل هذا من الصعب عليه جدّاً الخروج عمّا هو فيه من الباطل إلى اتّباع الحقّ والعمل به ـ ولو وضح دليله ، وظهر برهانه ـ إذا لم يؤيّده الله تعالى بهدايته وتوفيقه . وهذا أوّل شي ءٍ كان يلقاه رسول الله من قومه عند دعوتهم إلى الإيمان بالله وحده ، يردّون دعوته بكونها مخالفةً لما وجدوا عليه آباءَ هم كما بيّن ذلك الله تعالى في كتابه في غير ما آية ، وأمر سبحانه رسوله أن يردّ عليهم هذا الاحتجاج المنافي لنور العقل {قل أَوَ لَوْ جِئْتُكُم بِأَهدى مِمّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَ كُمْ} . (منه رحمه الله تعالى) .

3.وقال الإمام الحافظ ، شيخ المقرئين ، شمس الدين أبو الخير محمّد بن محمّد بن محمّد الجَزَريّ في (أسنى المطالب ، في مناقب سيّدنا عليّ بن أبي طالب» وهو جزءٌ لطيف مفيد جدّاً ، بعد كلام ما نصّه ـ : فانتهت إليه رضوان الله عليه جميع الفضائل من أنواع العلوم وجميع المحاسن ، وكرم الشمائل من القرآن والحديث ، والفقه والقضاء ، والتصوّف ، والشجاعة ، والولاية ، والكرم ، والزهد والورع ، وحسن الخُلُق ، والعقل ، والتقوى ، وإصابة الرأي ، فلذلك أجمعت القلوب السليمة على محبّته ، والفطر المستقيمة على سلوك طريقته ، فكان حبّه علامة السعادة والإيمان ، وبغضه محض الشقاء والنفاق والخذلان ـ كما تقدّم في الأحاديث الصحيحة ، وظهر بالأدلة الصريحة . (منه رحمه الله تعالى) .

4.التدوين في أخبار قزوين ۱/۷۸ ـ ۷۹ .

5.في المصدر : وعملك .

6.هذا الكلام باللغة الفارسية ، معناه : أقول لو تسمعون كلامي .

7.معناه : قد قلت لو كنتم تعملون بكلامي .

8.كشف الحجاب والران .

9.طبقات الشافعيّة الكبرى .

10.ويكفي دلالةً على ذلك أنّ العلوم الإسلامية كلّها مأخوذة عنه ، وعن أهل كلّ فنٍّ منها يتّصل به ، كما بين ذلك ـ بتوسّع ـ ابن أبي الحديد في مقدّمة (شرح نهج البلاغة) . هذا في علوم أهل الظاهر ، وأمّا الصوفيّة ـ أهل الباطن ـ فطرقهم ـ على اختلاف مشاربهم ، وتعدد أذواقهم ـ تتفرّع منه ، وينتهي منه كلّ طريقٍ منها إليه ، كما هو مبيّن في كتبهم ، وذلك لأنّه باب مدينة العلم ـ كما قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم ـ (منه رحمه الله تعالى) .

11.سنن ابن ماجة ۱/۴۴ ح۱۲۰ .

12.مصباح الزجاجة ۱/۶۱ .

13.صحيح البخاري ۱/۱۴۵ ، صحيح مسلم ۱/۴۳۶ .

14.صحيح البخاري ۱/۱۴۵ .

الصفحه من 303