حول حديث « لا تجتمع أمّتي علي ضلالة » سنداً و دلالة - الصفحه 310

5 ـ وفي المستدرك على الصحيحين الحاكم

روى الحاكم النيسابوري (321 ـ 405هـ ) ، في المستدرك على الصحيحين بأسانيد سبعة تجتمع في المعتمر بن سليمان ، قال :
فيما احتجّ به العلماء على أنّ الإجماع حجّة ، حديث مختلفٌ فيه على المعتمر بن سليمان قال : حدّثنا أبوالحسين محمّد بن أحمد بن تميم الأصمّ ببغداد ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن شاكر ، حدّثنا خالد بن يزيد القرني ، حدّثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه عن عبدالله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم : «لا يجمع الله هذه الأمّة على الضلالة أبداً ، وقال : يدالله على الجماعة ، فاتّبعوا السواد الأعظم ، فإنّه من شذّ شذّ في النّار» ۱ .
قال الحاكم ـ بعد نقله للحديث بأسانيد سبعة ـ :
فقد استقر الخلاف في إسناد هذا الحديث على المعتمر بن سليمان ، وهو أحد أركان الحديث من سبعة أوجه ، لا يسعنا أن نحكم أنّ كلّها محمولة على الخطأ بحكم الصواب ، لقول من قال عن المعتمر عن سليمان بن سفيان المدني ، عن عبدالله بن دينار .
ونحن إذا قلنا هذا القول ، نسبنا الراوي إلى الجهالة فوهن به الحديث .
ولكنّا نقول : إنّ المعتمر بن سليمان ، أحد أئمّة الحديث ، وقد روي عنه هذا
الحديث بأسانيد يصحّ بمثلها الحديث ، فلابدّ من أن يكون له أصل بأحد هذه الأسانيد .
ثمّ وجدنا للحديث شواهد من غير حديث المعتمر لا ادّعي صحتها ولا أحكم بتوهينها ، بل يلزمني ذكرها لإجماع أهل السنّة على هذه القاعدة من قواعد الإسلام .
فمن روي عنه هذا الحديث من الصحابة : عبدالله بن عبّاس [ثمّ ذكر الحاكم حديث ابن عبّاس] .
وأمّا معتمر الذي وقع في سند الحديث .
ذكره الذهبي ، وقال : معتمر بن سليمان التيمي البصري أحد الثقات الأعلام . قال ابن خراش : صدوق يخطئ من حفظه ، وإذا حدّث من كتابه فهو ثقة .
قلت : هو ثقة مطلقاً . ونقل ابن دحية ، عن ابن معين : ليس بحجّة ۲ .
هذا ما عند العامّة ، مسنداً ، وأمّا روايته مرسلاً فقد تضافرت في كتبهم ، بل أرسلوه إرسال المسلمات ، وإليك بعض مصادره :
1 ـ فذكر الغزالي (450 ـ 505هـ ) : في «المنخول» قال : وممّا تمسّك به الأصوليّون ، قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم : «لا تجتمع أمّتي على ضلالة» وروي «على خطأ» ، ولا طريق إلى ردّه بكونه من أخبار الآحاد ، فإنّ القواعد القطعيّة يجوز إثباتها بها ، وإن كانت مظنونة . فإن قيل : فما المختار عندكم في إثبات الإجماع؟
قلنا : لا مطمع في مسلك عقلي إذ ليس فيه ما يدلّ عليه ، ولم يشهد له من جهة السمع خبر متواتر ، ولا نصُّ كتاب ، وإثبات الإجماع بالإجماع تهافت ، والقياس المظنون لا مجال له في القطعيّات ۳ .
والتناقض في كلامه ظاهر حيث قال : «إنّ القواعد القطعيّة يجوز إثباتها بأخبار الآحاد وإن كانت مظنونة» وهذا ينافي ما قاله أخيراً : «القياس المظنون لا مجال له في القطعيّات» .
وجه التناقض : أنّ الخبر الواحد والقياس من حيث إفادة الظنّ سيّان ، فكيف تثبت القواعد القطعيّة بالظنّ مستنداً إلى خبر الواحد ، ولا يثبت بالقياس؟!
وأعجب منه إثباته القواعد القطعيّة بالظنّ ، مع أنّ النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمتين .
نعم ، قال الغزالي في «المستصفى» : تظافرت الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم مع اتّفاق المعنى في عصمة هذه الأمّة من الخطأ ۴ .
وأمّا تاج الدين السبكي عبدالوهاب بن علي (ت/771هـ ) ، في كتابه «رفع الحاجب على ابن الحاجب» ، فإنّه بعد ذكر طرق الحديث ورواته قال : أمّا الحديث فلا أشكّ أنّه اليوم غير متواتر ، بل لا يصحّ ، أعني لم يصحّ منه طريق على السبيل الذي يرتضيه جهابذة الحفاظ ، ولكنّي اعتقد صحّة القدر المشترك من كلّ طرقه ، والأغلب على الظنّ أنّه «عدم اجتماعها على الخطأ» . وأقول : مع ذلك جاز أن يكون متواتراً في سالف الزمان ثمّ انقلب آحاداً ۵ .

1.المستدرك : ۱/۱۱۵ .

2.ميزان الاعتدال : ۳/۱۴۳ ، برقم ۸۶۴۸ .

3.المنخول ، ص۳۰۵ ـ ۳۰۶ ، طبع دار الفكر .

4.المستصفى : ۱/۱۱۱ .

5.السبكي : رفع الحاجب عن ابن الحاجب ، ورقة ۱۷۶ ، ب من المخطوط في الأزهر .

الصفحه من 317