ونتيجةً لانشغال الدولة الجديدة بتثبيت أقدامها، وَجَدَ الإمام الصادق عليه السّلام نفسه في فرصة سانحة للانطلاق في أرحب الميادين العلميّة؛ لأجل صياغة الفكر الإسلامي وتجديده على أثر ما مُنِيَ به على أيدي الاُمويين وأعداء الدين، وغرسه في نفوس المسلمين نقياً صافياً، لم تشُبْه بِدَعُ الأوّلين، فكان بحقٍّ ذلك الرجل الفذّ والأوحديّ الفرد الذي تمكّن من إعادة الروح إلى الإسلام كما كان في عهده الأول، بعد أن غذّاه بلُبان التوحيد الخالص، ونزع عنه كلّ لباس لم يمتّ بصلة إليه، مع تثبيت قواعده على أقوم الأسس وأرسخها، وقيادة التثقيف الإسلامي على أوسع نطاق كما نلحظه في كثرة الوافدين إلى جامعته الإسلامية الكبرى من شتّى أمصار المسلمين، وقد قُدِّر لبعض من تلامذته أن يكونوا قادةً لمذاهب إسلامية لم تزل قائمة إلى اليوم.
لقد رفع الإمام الصادق عليه السّلام لواء العلم، ونادى بشعار التدوين عالياً، وهتف بطلّاب جامعته الكبرى قائلاً: «اكتبوا فإنّكم لا تحفظون حتى تكتبوا» ۱ و: «احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها» ۲ !
وكان من نتائج هذه الدعوة الصريحة إلى التدوين أن تصدّى المئات من تلامذته عليه السّلام إلى التأليف والتصنيف في شتّى حقول العلم والمعرفة. لا سيما علوم الشريعة الغرّاء، فأضافوا بذلك إلى مدوّنات الحديث الشيعية في المراحل السابقة المئات من الكتب كالاُصول الأربعمائة ونحوها من المصنّفات التي أصبحت مع غيرها من مؤلّفات أصحاب الأئمة عليهم السّلام في المراحل اللاحقة، الحجر الأساس الذي ابتنيت عليه المجاميع الحديثيّة المتأخّرة عند الشيعة الإمامية في القرنين الرابع والخامس الهجريين.
1.اصول الكافي ۱ : ۱۰۳ / ۹ باب ۱۷.
2.اصول الكافي ۱ : ۱۰۳ / ۱۰ باب ۱۷.