مع الكليني، و كتابه « الكافي » - الصفحه 201

كيف ولثقة الإسلام مؤلّفات قيّمة قبل الكافي الذي استغرقَ عشرين عاماً؟ ولا شكّ أنّها كانت كلّها قد اُلِّفت قبل وصوله إلى بغداد، لكون الكافي آخرها تأليفاً، فلابدّ حينئذ من اطّلاع الرازيين والقميّين بل وحتى البغداديين والكوفيين ـ بحكم حرية الانتقال وكثرة الوافدين إلى بغداد والكوفة من القميين والرازيين ـ على تراث الكليني، مع وصول أخباره إليهم ونشاطه وتعليق الآمال عليه في تجميع تراث أهل البيت عليهم السّلام وتتبّع موارده وشوارده واختيار الصحيح منه. ولكن السطحية في البحث قد تؤدّي إلى مثل هذا التشويه وقلب الحقائق وتزييف الوقائع، مما ينبغي على الباحث التأمّل في نتائج ما يقول قبل أن يكتب.
ومما يقطع بشهرته الواسعة في الري ومعرفة البغداديين عن كثب بمنزلته الرفيعة وعلوّ كعبه على أقرانه، انّه لم يتتلمذ على أحد من مشايخ الشيعة في بغداد إلاّ على العاصمي أحمد بن محمّد بن أحمد بن طلحة البغدادي، ولم يأخذ من مشايخه الشيعة الكوفيّين إلّا عن عدد ضئيل كابن عقدة الحافظ (ت / 333هـ )، ومحمّد بن علي بن معمر الكوفي وغيرهما، على الرغم من كثرتهم في ذلك الحين، وإنّما كان أغلب مشايخه من بلاد الري وما جاورها كقم وغيرها.
وإنْ دلّ هذا على شي ء إنّما يدلّ على بلوغ الكليني درجة عالية من الفقه والحديث ونحوهما قبل الوصول إلى بغداد بحيث بوّأته شهرته لأن يكون في بغداد القطب الذي تدور حول محوره أحاديث الشيعة وفقههم.
ولعلّ في احتفاف الكثير من طلبة علوم الشريعة حوله في بغداد ـ من الشيعة وغيرهم كما سيأتي ـ يدلّ على تتبّع الناس آثاره، وشغفهم في تلقّف علومه وأفكاره، ولكن التفسير الغبي قد يجعل من التفاف الناس حول شخص في مكان دليلاً على شهرته في ذلك المكان دون غيره، وهو كما ترى!
هذا، وقبل بيان رحلة الكليني إلى مراكز العلم الاُخرى منطلقاً إليها من

الصفحه من 264