بغداد ثم العودة إليها، لا بدّ من الوقوف على أمر في غاية الأهمية طالما انطلى على البعض بسبب الدراسات العقيمة حول الكافي وخلاصته، هو أنّ اختيار الكليني لبغداد ـ بعد الريّ ـ دون قُم إنّما كان لاختلاف المنهج بين هذين المركزين العلميّين، لإعطاء بغداد فسحة للعقل دون قم التي التزمت المنهج الروائي، وأخرجت من أرضها بعض من تأثر بالمنهج العقلي كسهل بن زياد الذي لم يرو عنه شيخ مدرسة قم وهو الصدوق، بينما روى عنه الكليني أكثر من ألف مورد في الكافي.
وهذا الزعم باطل من عدّة وجوه وهي:
الأوّل: إنّه لو اُجري مَسْحٌ شامل لأحاديث الكافي، وتمّ إرجاعها إلى مشايخ الكليني المباشرين لوجدت أكثر من ثلثي الكافي يرجع إلى مشايخه القميّين دون غيرهم، كعليّ بن إبراهيم بن هاشم، ومحمّد بن يحيى، وأحمد بن إدريس ونظرائهم. فمشايخ قُم يحتلون إذن مركز الصدارة في أحاديث الكافي.
الثاني: إنّ الصدوق نفسه احتج بمرويّات سهل بن زياد، وأسانيده طافحة بذكره، بل حتى في كتابه الفقيه، رجّح روايةً لسهل بن زياد على اُخرى واعتبر ما رواه سهل بن زياد هو الصحيح صراحةً ۱ هذا فضلاً عن مرويات سهل الاخرى في الفقيه نفسه ۲ الذي جعله الصدوق حُجّة بينه وبين الله عزّوجلّ. وقد جمعتُ مرويّات سهل في كتب الصدوق، فخرجتُ بثمرتين، إحداهما: أنّ حصّة القميين الذين روى عنهم الصدوق عن سهل، من مرويّات سهل، أكثر من
1.الفقيه ۲ : ۴۲۵ / ۱۵۷۶ باب ۲۱۶ وقارن بمعاني الأخبار ۲۶۸ ذيل الحديث / ۱ ستجد انّ ما رجحه الصدوق في الفقيه من الروايات واعتبره هو الصحيح دون غيره في المورد المذكور، قد أخرجه عن سهل بن زياد في معاني الأخبار.
2.انظر: الفقيه ۲: ۱۴۵ / ۵۱۳ ب۵۹ و۴: ۱۷۳ / ۴۹۸ ب۹۱ و۴: ۱۷۸ / ۵۱۵ ب۹۶ و۴: ۱۹۹ / ۵۶۵ ب۱۱۰ و۴: ۱۸۹ / ۵۳۶ ب۱۰۳، و۴: ۴۲۱، من المشيخة، في طريقه إلى مارواه عن مروان بن مسلم.