تحمل الحديث بالإجازة واجبٌ مُلحٌّ في العصر الحاضر - الصفحه 25

وسمعت ـ أيضاً ـ شيخنا العلّامة شيخ الشريعة الأصفهاني ، قبل وفاة العلّامة النوري [1320] بسنةٍ تقريباً يقول في بعض مذاكرته الرجالية ، في أيّام التعطيل ـ فسألته: عن مستند كلامه الذي ذكره؟
فقال: قد ذكره الحاج آقا النوريّ في «خاتمة المستدرك».
فتعجّبت من شدّة وثوقه بقوله ، وبكتابه! ولما أحسَّ بتعجّبي قال ما نصّه:
نحن عيال على الحاج آقا النوري في الحديث والرجال ، ونتنعّم ممّا بسطه لنا من مائدة إحسانه في تصانيفه الجليلة ، سيما «المستدرك» و«خاتمته».
والتعبير عنه بـ «الحاج آقا النوري» اقتداء منه بآية الله الشيرازي طاب ثراه [المتوفّى 1212] فإنّه ما كان يعبّر عنه إلّا به ، فتبعه تلاميذه وغيرهم.
وكذلك سيّد مشايخي الشريف المرتضى الكشميري ، ومن أدركتهم من المجتهدين العظام المعاصرين له في النجف كانوا ـ كافّةً ـ منقادين له ، مستفيدين من تصانيفه ، معظّمين لخدماته غاية التعظيم.
ثمَّ ، لمّا تشرّفتُ إلى سامراء في خدمة شيخنا آية الله الميرزا محمّد تقي الشيرازيّ قدّس سرّه ، فرأيته أشدّ وثوقاً به وبتصانيفه.
نعم ، أدركتُ ـ أيضاً ـ بعض مَنْ غرّتهُ نفسه ، وخدعه هواه ، وحملته الحميّة والعصبيّة من حيث لا يعلم! وهو ـ عفا الله عنه ـ يستحضر تصانيفه ، وينتقص من شأنه وقدره ، كما هو عادة بعض المعاصرين.
ولا بأس به ، حتى لا تنخرم قاعدة «من صنّف فقد استهدف»! ۱ .

1.النوري (ت۱۳۲۰) من العلماء الصُلحاء المجدّين في ترويج الشريعة والمهتمّين بالحديث الشريف وعلومه ، وقد رأى في عصره بعض الإعراض عن هذا العلم الشريف وتوغّل عامّة الطلّاب والمحصلين في علم الأصول ، وعدم تداول كتب الحديث والأخبار ، بَدَأ بإثارة فضل الحديث وعلومه في أروقة النجف وأندية العلم ، وكان من أهمّ أهدافه جمع شتات ما تفرّق من الأحاديث في زوايا الكتب ومتفرّقات المكتبات ، محاولاً ضبطها وتيسير نسخها ، حذراً عليها من الضياع والاندثار ، كما حلّ بكثير من تراثنا الغالي ، وكان حصيلة جهوده مجموعة ضخمة من كتب الحديث ، إلّا أنّ الملاحظ فيها ـ كلّها ـ محاولة الشيخ النوري ، التكديس والتجميع ، دون التمييز والتصحيح ، فحصل في كتبه الغثّ والسمين والضعيف والصحيح ، والمعتمد وغيره ، وكان من أكبر كتبه «المستدرك على وسائل الشيعة» الذي عبّر شيخنا الطهراني ع ن أهمّيته ، لأجل الاطمئنان على فراغ الذمة من الفحص عن النصوص ، في عملية الاستنباط. ومن أخطر مؤلّفاته ، ما جمعه ممّا يتعلّق بالقرآن ، من الأحاديث في كتيب باسم «فصل الخطاب» حيث ورد فيه مجموعة من الأخبار ممّا أثار أهل العناد بها مزعومة «التحريف» بينما هي ـ بقطع النظر عن أسانيدها الواهية ـ لا تعني ذلك ، بل إمّا تفسّر ، أو تؤوّل أ و تعنى النزول ، ولها نظائر في كتب العامّة وقد حملوها على نسخ التلاوة مع بُطلانه ، مع إعلان الطائفة المحقّة الإماميّة عن رفضها لأمثال هذه الأحاديث التي لا يخلو ناقلوها من المجروحين والضعفاء عند علماء الرجال ، وهي من أخبار الآحاد التي لا حجية لها عند علم اء الشيعة ، حتّى لو كانت صحيحة ، وبما أنّها مرفوضة عند الطائفة فهي «كلّما ازدادت صحّة ازدادت ضعفاً». وامّا المؤلف النوري فكما قلنا: غرضه الجمع ، وإن سبّب بجمع هذا الكتاب ما لا يخلو من العتاب ، وما استغلّه الجهلة المغرضون للهجوم على الحقّ وأهله ، بنسبة تهمة التحريف الباطل. إلّا أنّ النوري قد تنبّه إلى ذلك ، وأجاب عنه في كرّاس ملحق ، لكن المجرمين هم الذين يثيرون الغبار في وجه الحقيقة ويحاولون خلطها بالباطل ، لضرب المذهب الشيعي الذي ينتمي إلى القرآن ، وهم يتجاسرون بذلك حتى على قدسية القرآن ، لكن لا يهمّهم ، بل هم يهدفون إلى ذلك ، بإصرارهم على إشاعة هذه المزعومة الباطلة. والله لهم بالمرصاد. وكتب السيّد محمد رضا الحسيني الجلالي

الصفحه من 29