والأحاديث التي أوردها ابن ماجة في ذلكَ الباب تحتوي على امتناع اُولئكَ الصحابة عن إيراد أي حديث ـ ولو واحداً ـ عن الرسول صلّى الله عليه و آله ، فالمناسب للعنوان هو «تركَ الحديث عن رسول الله» لا التوقّي فيهِ والاحتياط له! وقد فهم قرظة ـ راوي الحديث ـ هذا المعنى ، حيث تركَ بعد كلام عمر : الحديث مطلقاً .
فكيف يعنون ابن ماجة للباب بـ «التوقي . . .»؟
وقد أوغل الخطيب في الالتواء لّما حاول توجيه فعل عمر ، بقوله : فعل ذلكَ عمر احتياطاً للدين ، وحسن نظر للمسلمين، لأنه خاف ان يتّكلوا على الأعمال ۱ .
قال : وفي تشديد عمر ـ أيضاً ـ على الصحابة في رواياتهم : حفظٌ لحديث رسول الله صلّى الله عليه و آله ، وترهيب لمن لم يكن من الصحابة أن يُدخل في السنن ماليس منها ۲ .
ومعَ إغفال الخطيب لمواقف عمر الاُخرى من الحديث ـ كتابةً وتدويناً ، وروايةً وتحديثاً ـ مما يدلُّ كلُّ واحد منها على أنّ عمر كان معارضاً لأصل الحديث ووجوده ، وكان يدعو إلى الاكتفاء بالقرآن وحده ، حسب ماتصرّح بهِ مقولته : «حسبنا كتاب الله» بلا أدنى ريب .
فإنّ الخطيب قد خالط في توجيهه ذلكَ أشدّ الخلط :
فأوّل مايرد عليهِ أنّه «لم يكن أحدٌ أحرص على هذا الدين من نفس رسول الله صلّى الله عليه و آله الصادع بالرسالة ، الذي صدرت منه تلكَ الأحاديث، وهو قد أمر بنشرها ، وحثّ على تبليغها ، وأمر باتّباعها.
ولو كان في الأحاديث أدنى خطر ، أو سوء ، على الدين ، لم تصدر من الرسول صلّى الله عليه و آله » .
1.شرف أصحاب الحديث (ص۸۸ (۸۹) رقم ۱۹۳ .
2.المصدر السابق (ص۹۰ ـ ۹۱) رقم ۱۹۷.