عناوين الأبواب و تراجمها في التراث الإسلامي - الصفحه 73

مايدلُّ على أنّ صحيح البخاري لم يتمّ في أيام حياته ، بل كان كثير من مواضعه بياضاً ، وكان على حواشيه ملحقات ، وعلى أوساطه قطعات استصعبوا الاهتداء إلى مواضع ربطها ، وإنمّا رتّبه عدّة من تلامذته البخاريين ، على حسب ماوصل إليهِ فهمهم ۱ .
قال ابن حجر معلّقاً على كلام الباجي هذا : وهذهِ قاعدة حسنة يُفزع إليها حيث يتعسّر وجه الجمع بين الترجمة والحديث ۲ .
أقول : ومنها نعرف مدى الإفراط في الحبّ عندَ أهل المشرق من الغلاة في تقديس البخاريّ ، حتى حاول بعضهم توجيه قول البخاري :«باب» مجرّداً ، ومن دون أن يورد تحته حديثاً واحداً ، فاعتبر ذلكَ :«مما انفردَ كتابه وامتاز به» ۳ .
ولم يبيّن وجه الامتياز في ذكر كلمة «باب» بلا عنوان؟
معَ أنّه خلاف أصل الحاجة إلى العنونة!؟
وبدلاً من أن يكون ذلكَ نقصاً موجباً للتوقّف والتأمّل في التفخيم المطلق ، والاعتذار عنه بأنه عمل بشريّ غير معصوم! على أكثر التقادير !
ولكن حبّ الشي ء يُعْمي ويُصمّ!
بل ، بلغ الغلوّ بالبعض ـ كابن جماعة الدمشقي ـ أن جعل من أقسام التراجم ماذكره بقوله : «كون حكم الترجمة أولى من حكم نصّ الحديث» ۴ ؟!!
وهذا من أقبح ألوان الاجتهاد في مقابل النصّ ، حيث فيهِ الاعتداء الصارخ على حديث المعصوم عليه السّلام ـ الصحيح بشرط البخاري ـ بكلام صادر عن غير المعصوم ، أي البخاري نفسه ، على ماهو عليهِ من الارتباك ، وإلى الله المشتكى .

1.هدي الساري (۱ / ۱۹) .

2.نقله السيِّد في الصوارم المهرقة (۵۷ ـ ۵۸) .

3.الإمام الترمذي والموازنة ، للدكتور عتر (ص۲۹۵) .

4.شرح تراجم البخاري (الورق ۱ ـ ۲) نقله عتر في : الإمام الترمذي (ص۹۰ ـ ۹۱) .

الصفحه من 78