قراءة في كتاب المنهج الرجالي - الصفحه 298

الباب الأول : تضمّن هذا الباب استقراءً للمنهج الرجالي عند السيد البروجردي قدّس سرّه .

بيّن فيه المؤلّف : أولاً : تميّز السيد بين أكثر الرجاليين المتأخّرين بامتلاكه زمام التوغّل في علوم الشريعة المترابطة (الفقه ، والحديث ، والاُصول ، والرجال) وتمكّنه من تطبيق نتائج نظريّته الرجاليّة في علم الفقه ، كما هو ظاهر في تقريرات دروسه القيّمة ، والتي كانت مصدراً أساسياً لمؤلّف كتاب (المنهج الرجالي) في بيان الخطوط الأساسية لمعالم ذلك المنهج .
ثمّ عرّف المؤلّف ـ ثانياً ـ بمناهل المعرفة الرجاليّة عند السيّدقدّس سرّه وأهمها :
1 ـ كتب الرجال ، وهنا نقل المؤلّف آراء السيّد البروجردي قدّس سرّه بمصادر الرجال ، وخلص إلى أنّه كان يعتقد بعدم كفاية تلك المصادر لتكون منهلاً وافياً جامعاً لأسماء كلّ الرواة ، ولا لشرح أحوالهم ومعرفة شؤونهم .
2 ـ أسانيد الروايات ، وهذا المنهل أوسع مساحةً عند السيّد وأغزر مادة؛ لأنّ أسانيد الكتب المعتمدة في الحديث تشتمل على أسماء الرواة كلّهم ، ولا تستثني منهم أحداً ، وتتكفّل ـ وفقاً لرأي السيّد ـ بتمييز المشتركات وبيان عللها ،
والإِرشاد إِلى ما هو الصواب فيها بوجهٍ علميٍّ واضح المأخذ يؤدي إلى الوثوق والاطمئنان .
ثم بيّن المؤلّف ـ ثالثاً ـ التزام السيّدرحمه الله في اُصول الفقه بحجيّة الخبر الواحد ضمن شروط ثلاثة :
أوّلاً : الثقة في الراوي ، بظهور الصلاح من حاله .
ثانياً : السداد والضبط ، بأن يكون الراوي سديداً في نقله ، متثبّتاً ممّا يتحمّله من الخبر ، ضابطاً له ، غير مبتلىً بالسهو والنسيان زائداً على المتعارف .
ثالثاً : عدم شذوذ الرواية وعدم الإِعراض عنها؛ لأنّ الإعراض عنها يوجب سقوط حجيتها ، وقد اعتمد السيّدرحمه الله على هذه النظريّة في معالجاته الرجاليّة الواسعة في الفقه وتبنّاه في موسوعته الرجاليّة .
وأهم المباحث في هذا الباب هو المبحث الرابع الذي تعرّض فيه المؤلّف لموضوع تطبيق المنهج الرجاليّ عند السيّدرحمه الله موضّحاً أنّه إنّما يلجأ إلى المناقشة السندية عندما يتعذّر عليه الجمع بين الخبرين المتعارضين بحيث لا يمكن التوفيق حتّى بنحو التخيير بينهما .
وحينما ينتهي به الأَمر إِلى المرجّحات ، فإِنّ أَوّل ذلك هو الترجيح الدلاليّ بالأخذ بالشهرة الفتوائية ، أي موافقة مضمون أحد الخبرين لأقوال أعلام الطائفة وفتاوى فقهائها وعمل قدماء الأصحاب ، فحيثما كانت الموافقة يؤخذ بالخبر الموافق ويحكم على الآخر بالشذوذ والإِعراض عنه دون النظر إِلى حال الرواة .
وفي حال عدم إِمكان الترجيح الدلاليّ ، وعدم تحقّق الشهرة المرجّحة ، أي شهرة الفتوى لا شهرة الرواية ، فإِنّه يلجأ إِلى الترجيح الصدوري في غير جهة السند ، وذلك باعتماد كثرة النقل والرواية في الاُصول والكتب المعتمدة والجوامع الحديثيّة ، ويُقابل ذلك الانفراد الذي جعله السيّدرحمه الله من موجبات الضعف .
وعند التساوي في الكثرة وعدم تحقّق الشهرة الفتوائية ، فالترجيح يكون
باعتماد التضعيفات السنديّة ، وقد التزم السيّدرحمه الله قاعدة تقديم الجرح على التعديل عند التكافؤ من جميع الجهات .
وللتضعيف عنده درجات ومراتب ، هي كما يلي :
1 ـ التضعيف بالغلوّ .
2 ـ التضعيف بالإِرسال وملاحظة الطبقات .
وللمؤلّف هنا وقفة تناول فيها ثلاث مسائل مهمّة :
استعرض في الأولى اعتماد السيّدرحمه الله على (الخبر المستكشف) من إِجماع القدماء من الأصحاب على فتوى تدلّ على وجود نصٍّ معتمدٍ لأَصل الإِجماع ، وإن لم يذكر ذلك النصُ في الجوامع الحديثية ، وذلك كإجماع الكتب المعدّة لنقل خصوص المسائل المنصوصة والمتلقاة عن الأئمة الهداة عليهم السّلام مثل كتاب «المقنع» و«الهداية» للشيخ الصدوق ، وكتاب (المقنعة) للشيخ المفيد ، و(النهاية) للشيخ الطوسي ، و(المراسم) لسلّار وغيرها .
وذكر في المسألة الثانية اعتناء السيّد بتوحيد الروايات حيث يحكم برجوع روايات متعدّدة إِلى كونها رواية واحدة ، معتمداً على أساليب مبتكرة وغير شائعة في هذا الفنّ ، كالجمع بين اسمي الراوي ، أو اسمه وكنيته ولقبه ، سيما مع اتحاد المرويّ عنه ، ومنها الاستناد إِلى وحدة الواقعة صدوراً وعدم تصوّر تعدّدها ، ومنها وحدة المضمون ، ومنها اتحاد السند والمتن وغير ذلك من الأساليب الفريدة والمعلومات الرجاليّة القيّمة المستفادة من بحوث السيدرحمه الله في ترتيب الأسانيد وطبقات الرواة .
وأشار المؤلّف في المسألة الثالثة إِلى عناية السيّد بترتيب الطبقات مبيّناً اُسلوبه في تقسيمها وتعدادها منذ عصر الصحابة إِلى عصره قدّس سرّه موضحاً أهمّ نتائج جهود السيّد الحثيثة التي بذلها في ترتيب الأسانيد وتنظيم الطبقات ، والتي تتلخّص في الأحكام الرجاليّة الفريدة التي توصّل إليها وجعلها أساساً مهماً في معالجاته
الرجاليّة ، كالحكم بإِرسال ما ظاهره الإِسناد ، أو الحكم بقطع المتصلات في ظاهر السند ، أو الحكم بإسناد بعض المراسيل ، واستكشاف وثاقة الراوي من خلال نوعيّة رواياته ، وما إلى ذلك من النتائج الباهرة التي طبقها السيد في بحوثه الفقهية بشكل جليّ .
3 ـ التضعيف بالجهالة وعدم التوثيق :
ولا يلجأ إليه السيّد إلّا في حالات نادرة ، لأن الجمع عنده أولى من الطرح ، قبل أن يستقرّ التعارض ، فيلجأ أولاً إلى المحاولات المتقدّمة ، والتي آخرها مسألة النقد السنديّ بالجهالة وعدم التوثيق .
4 ـ التضعيف بموافقة العامة عند استقرار التعارض .
وللمؤلّف هنا بحث شيّق أكّد فيه على نشاط السيّد في تدعيم أواصر الوحدة الإِسلامية والتقريب بين المذاهب ، وبيّن أسباب التضعيف بموافقة العامة ، والتي تتلخص في أنّ السيدرحمه الله جعل أمر الترجيح بالمخالفة للعامّة في نهاية المرجّحات الصدورية ، وليست الدلاليّة ، بسبب التزامه الصريح بأنّ الأمر لا يرتبط بأصل الآراء والالتزامات بقدر ما هو مرتبطٌ بعدم الوثوق بما دسّ في التراث مما يُوافق السلطات الحاكمة الغاشمة ، أو صدورها من الأئمة عليهم السّلام وأصحابهم على أساس المداراة والمماشاة رعاية للمصلحة الإسلامية العامة في حفظ وحدة المسلمين والاُلفة بين الطوائف الاسلامية .

الصفحه من 308