الحشويّة نشأة و تأريخاً - الصفحه 36

عقيدية ، وإنّما هو منهج للتعامل مع النصوص والأخذ منها ، وهو الالتزام فيها ، على ظاهر اللفظ ، من دون تأويل ، كما سيأتي ، فمن التزم بهذا ، سُمّي «حشويّاً» من أي مذهبٍ كان . وقد مرّ أنّ ابن المرتضى الزيدي قال : لا مذهب لهم مُنْفَرِد ۱ .
وأصحاب الحديث هذا شأنهم ، وإن اختلفوا في ما بينهم في الالتزام بقواعد الجرح والتعديل ، واعتماد بعضهم على ما اعتبروه من الحديث «صحيحاً» حسب ما وضعوه من القواعد والمخترعات المصطلحة . وعدم اعتماد بعضهم الآخر على تلك القواعد ، والتزامهم بكلّ ما روي ، ممّن هبّ ودبّ .
قال ابن الجوزي : في «ذكر تلبيس إبليس على أصحاب الحديث» ما نصّه : إنّ قوماً استغرقوا أعمارهم في سماع الحديث والرحلة فيه ، وجمع الطرق الكثيرة ، وطلب الأسانيد العالية ، والمتون الغريبة ، وهؤلاء على قسمين :
قسمٌ قصدوا حفظ الشرع بمعرفة صحيح الحديث من سقيمه ، وهم مشكورون على هذا القصد ، إلّا أنّ إبليس يلبّس عليهم ، بأن يشغلهم بهذا عمّا هو فرض عين ، من معرفة ما يجب عليهم في أداء اللازم والتفقّه في الحديث .
إلى أن يقول عن زمانه : فقلّ أن يمكن أحداً أن يجمع بين الأمرين [الحديث والفقه] فترى المحدّث يكتب ويسمع خمسين سنة ، ويجمع الكتب ، ولا يدري ما فيها ، ولو وقعت له حادثة لافتقر إلى بعض أحداث المتفقّهة .
وقال : وبهؤلاء تمكّن الطاعنون على المحدّثين ، فقالوا : «زوامل أسفارٍ لا يدرون ما معهم» .
فإن أفلح أحدهم ونظر في حديثه ، فربّما عمل بحديثٍ منسوخٍ ، وربّما فهم من الحديث ما يفهم العامي الجاهل ، وعمل بذلك ، وليس بالمراد من الحديث ۲ .

1.المنية والأمل (ص۱۱) .

2.تلبيس إبليس (ص۱۱۱ ـ ۱۱۲) .

الصفحه من 64