الحشويّة نشأة و تأريخاً - الصفحه 37

ثمّ ذكر أمثلة من غلط المحدّثين واعتمادهم على الكلمات المصحّفة ، وعملهم على ذلك ، لقلّة فقههم .
إلى أن قال : فانظروا إلى هاتين الفضيحتين : فضيحة الجهل ، وفضيحة الاقدام على الفتوى بمثل هذا التخليط ۱ .
ثمّ ذكر القسم الثاني من أصحاب الحديث ، فقال :
القسم الثاني : قومٌ أكثروا سماع الحديث ، ولم يكن مقصودهم صحيحاً ، ولا أرادوا معرفة الصحيح من غيره، بجمع الطرق ، وإنّما كان مرادهم العوالي والغرائب ، فطافوا البلدان ، ليقول أحدهم : «لقيتُ فلاناً» و «لي من الأسانيد ما ليس لغيري» و «عندي أحاديث ليست عند غيري» . إلى أن قال : وهذا كلّه من الاخلاص بمعزلٍ ، وإنّما مقصودهم الرئاسة والمباهاة ، ولذلك يتّبعون شاذّ الحديث وغريبه ۲ .
وقال ابن الجوزي : ومن تلبيس إبليس على «أصحاب الحديث» قدح بعضهم في بعض طلباً للتشفّي ، ويخرجون ذلك مخرج الجرح والتعديل الذي استعمله قدماء هذه الاُمّة للذبّ عن الشرع ۳ .
أقول : ولجوء أصحاب الحديث القدماء إلى الجرح والتعديل ، لم يكن دائماً كما زعم «للذبّ عن الشرع» فإنّ المتتبّع يجد في أعمالهم إعْمالاً للأغْراض التي ذكر ابن الجوزي بعضها ، واتّباعاً للأساليب التي استهجنها من قبيل التدليس في الشيوخ والأسماء ، والاخفاء للأحاديث ، ورواية الموضوعات ، وغير ذلك ، ممّا يدلّ على أنّ أساليبهم في الجرح والتعديل غير سليمة ، وأغْراضهم في التزامها غير صادقة ۴ .

1.تلبيس إبليس (ص۱۱۴) .

2.تلبيس إبليس (ص۱۱۳) .

3.اقرأ عن ذلك : العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل ، للسيّد محمّد بن عقيل الحضرمي ، وإيقاظ الوسنان ، لكاتب البحث الجلالي ، وهما مطبوعان .

الصفحه من 64