الحشويّة نشأة و تأريخاً - الصفحه 38

ومع هذا فالقسمان من «أصحاب الحديث» يشتركان في هذه الجهة ، كما أنّهما يشتركان في الأهمّ من ذلك ، وهو التزامهم بما وردت بها الأحاديث الغريبة من ظواهر التشبيه والتجسيم .
وهؤلاء هم الذين ذكرهم ابن حبّان بقوله : لم يكن هذا العلم [يعني علم الحديث] في زمان قطُّ تعلُّمهُ أوجبَ منه ، لأنّهم اشتغلوا في العلم ـ في زماننا هذا ـ وصاروا حزبين :
فمنهم طلبةُ الأخبار ، الذين يرحلون فيها إلى الأمصار ، وأكثرُ همّهم الكتابة والجمع ، دون الحفظ والعلم به وتمييز الصحيح من السقيم ، حتّى سمّاهم العوام «الحَشْويّة» .
والحزب الآخر : المتفقّهةُ الذين جعلوا جُلّ اشتغالهم بحفظ الآراء والجدل ، وأغْضَوا عن حفظ السنن ومعانيها وكيفية قبولها وتمييز الصحيح من السقيم منها ، مع نبذهم السنن قاطبةً وراء ظهورهم ۱ .
وإليهم لَمَزَ الخطيبُ البغدادي بقوله : ولتعلم أنّ الاكثار من كتب الحديث وروايته لا يصير بها الرجل فقيهاً ، وإنّما يتفقّه باستنباط معانيه وإنعام النظر فيه .
قال ذلك في كتاب «نصيحة أهل الحديث» ۲ .
كما أنّ الرامْهُرْمُزي خاطب «أهل الحديث» بقوله : ودَعُوا ما به تُعَيَّرون من : تتبّع الطرق ، وتكثير الأسانيد ، وتطلُّب شواذّ الأخبار ، وما دَلَّسَهُ المجانين وتَبَلْبَلَ فيه المغفّلون .
ثمّ استنكر على مَنْ سمّاهم «الحَشْويّة ، والرعاع» ويزعم أنّهم «أغثار وحملة أسفار» ۳ .

1.كتاب المجروحين (۱/۱۱) .

2.نصيحة أهل الحديث للخطيب (ص۱۲۸) .

3.المحدّث الفاصل بين الراوي والواعي (ص۱۶۲) .

الصفحه من 64