الحشويّة نشأة و تأريخاً - الصفحه 51

شيعياً أو من العامّة ، فطريقتُهُ مرفوضةٌ وفكرهُ منبُوذٌ ، لا كما يُحاول المُسْتسْلِفُون قديماً وفي عصرنا ، من إنكار الحقائق والواقعيّات ، فلا يعترفون بوجود الحشويّة في ماضيهم وحاضرهم ، ويحاولون اتّهامَ المذاهب الأخرى فقطْ بها ، كما رأيْنا ابن تيميّة الحرّاني يصنعُ قديماً والقفاري وإخوانه المُتدَكْتِرين حديثاً ، وإنْ لم يبقَ لكلام أمثال هؤلاء أدنى وقعٍ عند العلماء .
وإنّما المهمّ معرفة ما يُميّزُ الحَشْويّة ، من بين الفرق وأهل الأهواء ، من الآراء والملتزَمَات ، حتّى يكون الملتزِم بها «حشويّاً» من أيّ الفرق والمذاهب كان .
وهذا ما سنقدّمه في الفصل الثاني من بحثنا بعون الله .

الحَشْويّة والحنبليّة :

اشتهر انتساب الحَشْويّة إلى مذهب أحمد بن حنبل (ت241هـ) حتّى كان من المسلّمات التي لم يكن لأشدّ الناس عصبيةً وعناداً إنكاره .
فلمّا ذكر الرجل الأشعري قوله : لا ريبَ أنّ الامامَ أحمد إمامٌ عظيمُ القدر ، ومن أكبر أئمّة الاسلام ، لكن قد انتسب إليه أُناس ابتدعوا أشياء . . . .
وذكر في كلامٍ : إنّه انتسب إلى أحمد ناسٌ من الحَشْويّة والمشبّهة .
لم يُنكر ابنُ تَيْمِيَّة الحرّاني هذا الانتساب ، بل أقرّ به ، ولكنّه ـ على عادته ـ انتقل منه إلى المراوغة ، فاسمعه يقول :
فقلتُ : أمّا هذا فحقٌّ .
وليس هذا من خصائص أحمد ، بل ما من إمامٍ إلّا وقد انتسبَ إليه أقوامٌ هو منهم بري ءٌ .
قد انتسبَ إلى مالك أُناسٌ ، مالكٌ بري ءٌ منهم .
وانتسبَ إلى الشافعي أُناسٌ ، هو بري ءٌ منهم .
وانتسبَ إلى أبي حنيفة أُناسٌ ، هو بري ءٌ منهم .

الصفحه من 64