الحشويّة نشأة و تأريخاً - الصفحه 53

ومع هذا ، فهذا العذر يمكن لجميع الفرق التحجُّج به ، فيقول أحدهم : «إنّ الحنفية المحضة لا تقول به» و «الشافعيّة المحضة لا تقول به . .» وهكذا .
وكأنّ الأمر كان واضحاً لدى ابن تَيْمِيَّة أنّ المعنيّين باسم «الحَشْويّة» عند الاطلاق ، ليسوا سوى الحنابلة ، فهو يكرّر مثل هذا الكلام دائماً : يقول ـ وهو يخاطب خصمه ـ : كأنّك ـ والله أعلم ـ عنيتَ «بالحشوية المشبّهة» من ببغداد والعراق من الحنبلية ونحوهم ، أو الحنبلية دون غيرهم ، وهذا من جهلك ، فإنّه ليس للحنبلية قولٌ انفردوا به عن غيرهم من طوائف أهل السنّة والجماعة ، بل كلّ ما يقولونه قد قاله غيرهم من طوائف أهل السنّة ، بل يوجد في غيرهم من زيادة الاثبات ما لا يوجد فيهم ۱ .
ويبقى السؤال الأوّل ، بلا جواب من ابن تَيْمِيَّة ، وهو : إنّ الحَشْويّة ينتسبون إلى أحمد بن حنبل فقط ، لماذا؟ دون غيره من العلماء والمذاهب ؟؟
وهذا أمرٌ لم يقلْ به ذلك الرجلُ الأشعري فقط ، بل ذاع وانتشر .
وورد في أكثر من مورد ومصدر ، على اختلاف تعابيرهم :
قال العفيف اليافعي في كتاب (مَرْهَم العلل المُعْضلة في دفع الشبه والردّ على المعتزلة) في الجزء الثالث منه : ومتأخّرو الحنابلة غَلَوا في دينهم غُلُوّاً فاحشاً ، وتَسَفّهُوا سَفَهاً عظيماً ، وجَسَّموا تجسيماً قبيحاً ، وشبّهوا الله بخلقه تشبيهاً شنيعاً ، وجعلوا له من عباده أمثالاً كثيرةً ، حتّى قال أبو بكر بن العربي في (العواصم) : أخبرني من أثقُ به من مشيختي : أنّ القاضي أبا يَعْلى الحنبلي كان إذا ذكر الله سبحانه يقول ـ في ما ورد من هذه الظواهر في صفاته تعالى ـ : ألْزِمُوني ما شئتُمْ ، فإنّي ألتزمُهُ إلّا اللحية والعورة .
قال بعض أئمّة أهل الحقّ : وهذا كفرٌ قبيحٌ ، واستهزاءٌ بالله تعالى شنيعٌ ، وقائله

1.منهاج السنّة (۲/۶۰۱) .

الصفحه من 64