الحشويّة نشأة و تأريخاً - الصفحه 59

حتّى أنّ منهم مَنْ عمد إلى كتابٍ صنّفه الشيخ أبو الفرج المقدسي في ما يمتحن به السُنّي من البِدعي ، فجعل ذلك الكتاب ممّا أوحاه الله إلى نبيّه ليلة المعراج ، وأمره أن يمتحن به الناس ، فمَنْ أقرّ به فهو سُنّي ، ومَنْ لم يُقرّ به فهو بِدعيّ . وزادوا فيه على الشيخ أبي الفرج أشياء لم يقلها هو ، ولا عاقل .
ثمّ عاد إلى كلام السُبكي فقال : وفيه من الباطل أُمور :
أحدها : قوله : «لا يتحاشى من الحشو والتجسيم» .
ذمٌ للناس بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، والذي مدحُه زينٌ وذمّه شينٌ هو الله ، والأسماء التي يتعلّق بها المدح والذمّ من الدين لا تكون إلّا عن الأسماء التي أنزل الله بها سلطانه ، ودلّ عليها الكتاب والسنّة أو الاجماع ، كالمؤمن ، والكافر ، والعالم ، والجاهل ، والمقتصد ، والملحد .
فأمّا هذه الألفاظ (الحشو ، والتجسيم . . .) فليست في كتاب الله ، ولا في حديث عن رسول الله ، ولا نطق بها أحدٌ من سَلَف الاُمّة وأئمّتها ، لا نفياً ولا إثباتاً ۱ .
ثمّ راح ابن تَيْمِيَّة يُطيل الكلام على التسمية ومشروعيتها ووجوهها ، ممّا يخرج عن البحث ، ولا ربطَ له بالغرض الذي تكلّم فيه السُبكي ، وهو منحصر في القسم الأوّل الذي سمّاه ابن تَيْمِيَّة «من الحقّ» .
وهذه عادة ابن تَيْمِيَّة في مناظراته : أنّه يُخرج من لبّ البحث إلى حاشية من الحواشي ، ويُهرّج على نُقطة خارجة عن لبّ البحث ومركزه ، ويُثير شبهه في اللفظ أو الاعراب أو السند ، ليملأَ الوقت وصفحات الورق ، ويُبعّد السامع والقارئ عن أصل البحث .
فهنا يُناقش في اسم (الحشو والتجسيم) ولماذا أطلقهما السبكي على الحنابلة

1.كتب ابن تَيْمِيَّة في العقيدة (۴/۱۴۶) .

الصفحه من 64