الولادة المكرّمة في الكعبة المعظّمة - الصفحه 22

فراشه، ويُمسّني جسده، ويُشمّني عرفه، وكان يمضغ الشي ء ثمّ يلقمنيه، ولقد قرن الله به صلّى الله عليه و آله من لدن أن كان فطيماً أعظم ملَكٍ من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه، يرفع لي في كلّ يومٍ من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به...» ۱ .
وكان من مظاهر شرف الاصطفاء، هو انتقال وليد الكعبة منذ كان عمره ست سنين الى بيت النبي صلّى الله عليه و آله ، ذكر أحمد ين يحيى البلاذري وعلي بن الحسين الأصفهاني أنّ قريشاً أصابتها أزمة وقحط، فقال رسول الله صلّى الله عليه و آله لعمّيه حمزة والعباس: «ألا نحمل ثَقَل أبي طالب في هذا المَحْل!» فجاء وا إليه، وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفوه أمرهم، فقال: دعوا لي عقيلاً، وخُذوا من شئتم، فأخذ العباس طالباً، وأخذ حمزة جعفراً، وأخذ محمّد صلّى الله عليه و آله علياً عليه السّلام ، وقال لهم: «قد أخذت ـ من اختاره الله لي عليكم ـ علياً» ۲ .
فشاء ت العناية الربّانية أن يعيش أمير المؤمنين عليه السّلام مع محمّد الصادق الأمين صلّى الله عليه و آله يتأدّب على يديه ، ويتعلّم خصال نفسه الزكية، فكان من ثمار تلك العناية الإلهية والتربية النبوية أن صارت شخصية وصي النبي المصطفى صلّى الله عليه و آله اختصاراً لشخصية المربي صلّى الله عليه و آله ، ونسخة ناطقة بشمائله وسيرته وعبادته وعلمه وشجاعته وكرمه وزهده وصبره، وأن ينال الذروة العُليا من مبادئ الاستقامة والشرف والعظمة والسيادة، وأن يتحلّى بخصائص فريدة ومناقب فذّة ومزايا عجيبة.
ومن بين تلك الخصائص الفريدة والمناقب الفذّة شرف السبق الى الإسلام والتقدّم الى الإيمان، وهو شرف عظيم لا يضاهى، وفضل كبير لا يُدانى، فليس في

1.نهج البلاغة / صبحي الصالح: ۳۰۰ / خ ۱۹۲.

2.شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد۱: ۱۵.

الصفحه من 62