بثّي كلّه، وبرئتُ إليه منه، ودفعتُه له. فلمّا سمعها ووعاها، وسرت في أوصاله حميّاها قال عليه السّلام : حَلَّتْ معلوطةً، ووَلَّتْ مخروطةً .
ثمّ قال عليه السّلام :
أحدى لياليك فهيسي هيسي-لا تنعمي الليلة بالتعريس
يا أبا عبيدة، أهذا كُلُّهُ في أنْفُس القوم يستبطنُونه، ويضْغُنُون عليه؟!
فقلتُ: لا جوابَ عندي، إنّما جئتُك قاضياً حقّ الدين! وراتقاً فتق الإسلام، وسادّا ثلمة الأُمّة، يعلمُ اللهُ ذلك من جلجلان قلبي، وقرارة نفسي.
فقال عليه السّلام : ما كان قُعُودي في كسر هذا البيت قَصْداً لِخِلافٍ، ولا إِنكاراً لمعروفٍ، ولا زِرايةً على مسلمٍ، بل لما وقذني به رسول الله صلّى الله عليه و آله من فِراقه، وأودعني من الحزن لفقده، فإنّي لم أشهدْ بعده مشهداً إلاّ جدّدَ عليَّ حزناً، وذكّرني شجناً، وإنّ الشوق إلى اللحاق به كافٍ عن الطمع في غيره.
وقد عكفتُ على عهد الله أنظرُ فيه، وأجمعُ ماتفرّقَ منه، رجاءَ ثوابٍ مُعَدٍّ لمن أخلص لله عمله، وسلّم لعلمه ومشيئته أمرَه .
على أنّي أعلمُ أنّ التظاهُرَ عليَّ واقعٌ، ولي عن الحقّ الذي سِيْقَ إليَّ دافعٌ، وإذْ قد أفعم الوادي لي، وحشد النادي عليَّ، فلا مرحَباً بما ساءَ أَحَداً من المسلمين، وفي النفس كلامٌ لولا سابقُ قولٍ، وسالفُ عهدٍ، لشفيتُ غيضي بخنصري وبنصري، وخُضْتُ لجّتَه بأخمصي ومفرقي، ولكنّي مُلْجَمٌ إلى أنْ ألقى اللهَ تعالى، عنده أَحْتَسِبُ مانَزَلَ بي، وَأَنَا غادٍ إنْ شاء اللهُ إلى جماعتكم، ومبايعٌ لصاحبكم، وصابِرٌ على ما ساءَ نِي وَسَرَّكُمْ، لِيَقضِيَ اللهُ أمراً كان مفعولاً، وكانَ اللهُ على كلّ شيٍ شهيداً .
ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة (10/281).
۲۱۱.أَنَا أَخَصُّ وَأَقْرَبُ، وَإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي.
۰.وَقَالَ قَائِلٌ:إِنَّك ـ يابْنَ أبي طَالِب ـ عَلَى هذَا الاَْمْرِ لَحَرِيصٌ.