حتّى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه، ثم جئتموني لتبايعوني فأبيتُ عليكم، وأمسكتُ يديَ فنازعتموني ودافعتموني، وبسطتم يدي فكففتُها، ومددتموها فقبضتها، وازدحمتم عليّ حّتى ظننتُ أن بعضكم قاتل بعضكم، أوأنّكم قاتلي، فقلتم: بايعنا لا نجد غيرَك، ولا نرضى إلاّ بك، بايعنا لانفترق، ولا تختلف كلمتنا.
فبايعتكم ودعوتُ الناس إلى بيعتي، فمَنْ بايَعَ طوعاً قبلتُ، ومَنْ أبى لم أكرهه وتركتُه. فبايعني في من بايعني طلحةُ والزُبيرُ، ولو أَبَيا ما أكرهتُهما، كما لم أكره غيرهما، فما لبثا إلاّ يسيراً حتّى بلغني أنّهما خرجا من مكّة متوجّهين إلى البصرة، في جيش ما منهم رجلٌ إلاّ قد أعطاني الطاعة، وسمح لي بالبيعة، فقدما على عاملي وخزّان بيتٍ مالي وعلى أهل مصري الذين كلّهم على بيعتي وفي طاعتي، فشتتوا كلمتهم، وأفسدوا جماعتهم، ثمّ وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدراً، وطائفة صبراً، ومنهم طائفةٌ غضبوا لله ولي، فشهروا سيوفهم وضربوا بها حتى لقوا الله عزّ وجلّ صادقين، فوالله لو لم يصيبوا منهم إلاّ رجلاً واحداً متعمّدين لقتله لَحَلَّ لي به قتلُ ذلك الجيش بأسره، فدعْ ما أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثرَ من العِدّة التي دخلوا بها عليهم، وقد أدال الله منهم ، فبعداً للقوم الظالمين!.
ثمّ إنّي نظرتُ في أمر أهل الشام، فإذا أعرابٌ أحزابٌ وأهل طمعٍ جفاةٌ طغاةٌ، يجتمعون من كلّ أوبٍ، من كان ينبغي أن يؤدّب وأن يولّى عليه، ويؤخذ على يده، ليسوا من الأنصار ولا المهاجرين ولا التابعين بإحسان. فسرتُ إليهم فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة، فأبوا إلا شقاقاً وفراقاً، ونهضوا في وجوه المسلمين ينضحونهم بالنبل، ويشجرونهم بالرماح، فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلتهم، فلمّا عضّهم السلاح. ووجدوا ألم الجراح، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى مافيها، فأنبأتُكم أنّهم ليسوا بأهل دينٍ ولاقرآنٍ، وأنّهم رفعوها مكيدةً وخديعةً ووهناً وضعفاً، فامضوا على حقّكم وقتالكم، فأبيتم عليّ وقلتم: «اقبل منهم، فإن أجابوا إلى مافي الكتاب