قَالُوا: تَدْعُو لَنَا هذِهِ الشَجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَتَقِفَ بَيْنَ يَدَيكَ.
فَقَالَ صلّى الله عليه و آله : إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، فإِنْ فَعَلَ اللهُ ذلكَ لَكُمْ، أَتُؤْمِنُونَ وَتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ ؟. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ، وإِنِّي لأََعْلَمُ أَنَّكُمْ لاَ تَفِيئُونَ إِلَى خَيْر، وَإِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ في الْقَلِيبِ، وَمَنْ يُحَزِّبُ الاَْحْزَابَ.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَيَّتُهَا الشَجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤمِنِينَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ الله، فَانْقَلِعِي بعُرُوقِكِ حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ الله.
فَوَالذي بَعَثَهُ بِالحَقِّ نَبِيّاً؛ لاَنْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا، وَجَاءَ تْ وَلَهَا دَوِىٌّ شَدِيدٌ، وَقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَيْرِ، حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صلّى الله عليه و آله مُرَفْرِفَةً، وَأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الأَعْلَى عَلَى رَسُولِ الله صلّى الله عليه و آله وَبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مِنْكَبِي، وَكُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ عليه السّلام .
فَلَمَّا نَظَرَ القَوْمُ إِلَى ذلك ؛ قَالُوا ـ عُلُوّاً وَاسْتِكْبَاراً ـ: فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا وَيَبْقَى نِصْفُهَا.
فَأَمَرَهَا بِذلكَ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَأَشَدِّه دَوِيّاً، فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ الله صلّى الله عليه و آله فَقَالُوا ـ كُفْراً وَعُتُوّاً ـ: فَمُرْ هذَا النِصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ.
فَأَمَرَهُ فَرَجَعَ. فَقُلْتُ أنَا: لاَ إِلهَ إِلاَّ الله، إنّي أَوَّلُ مْؤْمِن بِكَ يَا رَسُولَ الله، وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بَأَنَّ الشَجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ الله تَصْدِيقاً لِنُبُوَّتِكَ، وإِجْلاَلاً لِكَلِمَتِكَ.
فَقَالَ القَوْمُ كُلُّهُمْ: بَلْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، عَجِيبُ السِحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ، وَهَلْ يُصَدِّقُك في أَمْرِك إِلاَّ مِثْلُ هذَا! يَعْنُونَنِي.
وَإنّي لَمِنْ قَوْم لاَتَأخُذُهُمْ في الله لَوْمَةُ لاَئِم، سِيَماهُمْ سِيَما الصِدِّيقِينَ، وَكَلاَمُهُمْ كَلاَمُ الاَْبْرَارِ، عُمَّارُ الليْلِ، وَمَنَارُ النهَارِ، مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ القُرْآنِ، يُحْيُونَ سُنَنَ الله وسُنَنَ رَسُولِهِ، لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَلاَيَعْلُونَ، وَلاَيَغُلُّونَ ، وَلاَ يُفْسِدُونَ، قُلُوبُهُمْ في الْجِنَانِ، وَأَجْسَادُهُمْ في العَمَلِ!.
نهج البلاغة (ص301 - 302) الخطبة 192 وتسمىّ القاصعة و شرح نهج البلاغة (6/132).