مسائل حول الفضائل - الصفحه 207

مرتبة عليٍّ عليه السّلام العالية، ومكانته من الرسول صلّى الله عليه و آله المكانة السامية، فردّه بما يدلّ على جهله أو تجاهله.
من ذلك حكمه بالظنّ على النبيّ صلّى الله عليه و آله بأنّه ما أرسل عليّاً عليه السّلام ليبلّغ عنه سورة براء ة إلا لأجل ما جرت به عادة العرب في ذلك.
وهذا باطل يقيناً، وأحوال الرسول صلّى الله عليه و آله لا يُخْبَرُ عنها بالرأي والظنّ والعقل، بل يُحتاج فيها إلى التوقيف، وإلا كان فاعل ذلك داخلاً في قوله صلّى الله عليه و آله : «مَنْ كذب عَلَيَّ متعمّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه من النار» ۱ .
ثم إنّ الرسول صلّى الله عليه و آله جاء بالدِّين الذي يُبطل عادة العرب في جميع شؤونهم، لا سيّما في العقود، فكيف يتّبع عادتهم، ويطيع أمرهم، ويسلك سبيلهم في أعظم إنذارٍ بعثه الله تعالى به إليهم للبراء ة منهم ومن جميع أمورهم؟!!
ويا تُرى لو لم يكن بَعَثَ عليّاً ـ قريبه ـ لتبليغ هذه البراءة، هل كان يجوز التخلّي عنهم بسبب عادتهم في كون العقد لا يُحلّه إلا هو أو قريبه، فيعذرهم ويترك أمر الله تعالى لأجل عادتهم؟ القول بهذا هو الجهل بعينه، والتقوّل على الله ورسوله صلّى الله عليه و آله بما هو ضلال وكفر من غير شكٍّ.
على أن أبا بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ كان قريبَ الرسول صلّى الله عليه و آله ، لأنّه يجتمع معه في مُرّة بن كعبٍ، والعرب كانوا يكتفون في القرابة ـ التي يتعلّق بها في أمثال هذه الأمور من العصبيّة وغيرها ـ بهذا، فكان يكفي إرسال أبي بكرٍ رضي الله عنه بسورة براء ة لو كان المراد بإرسال عليٍّ عليه السّلام بدله هو القرابة والعصبيّة، وهذا معروف من أمر العرب، مشهورٌ من حالهم، حتّى إنّهم كانوا يحاربون ويقاتلون في جانب مَنْ يَمُتُّ إليهم بأدنى صلةٍ من القرابة.
ويكفي في الدلالة على ذلك قول خديجة ـ رضي الله تعالى عنها ـ لورقة بن

1.هذا حديث متواتر ، أنظر : الأزهار المتناثرة : ۳۰ ـ ۳۱ ، إتحاف ذوي الفضائل المشتهرة : ۹۲ ـ ۹۴ .

الصفحه من 212