85
إكسير المحبّة

قد قال : «وهذا الحديث صحيح السند ، وهو من الأحاديث المشهورة بين الخاصّة والعامّة ، وقد رووه في صحاحهم بأدنى تغيير» . وقال في بيانه لمعنى جملة : وإنّه ليتقرّب إليَّ بالنّافلة حتّى اُحبّه :
«النوافل جميع الأعمال غير الواجبة ممّا يُفعل لوجه اللّه سبحانه ، وأمّا تخصيصها بالصلاة المندوبة فعُرفٌ طارئ ومعنى محبّة اللّه سبحانه للعبد توفيقه للتجافي عن دار الغرور والترقّي إلى عالم النور ، والاُنس باللّه والوحشة ممّا سواه ، وصيرورة جميع الهموم همّا واحدا . قال بعض العارفين : إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك» .
وقال أيضا في بيان قوله تعالى : « فإذا احببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به ... » إلى آخر الحديث .
«لأصحاب القلوب في هذا المقام كلمات سنيّة ، وإشارات سريّة ، وتلويحات ذوقيّة ، تعطّر مشام الأرواح وتحيي رميم الأشباح ، لا يُهتدى إلى معناها ، ولا يَطّلع على مغزاها إلاّ من أتعب بدنه بالرياضة وعنى نفسه بالمجاهدات حتّى ذاق مشربهم وعرف مطلبهم ، وأمّا من لم يفهم تلك الرموز ، ولم يهتد إلى هاتيك الكنوز ؛ لعكوفه على الحظوظ الدنيّة وانهماكه في اللذّات البدنيّة ، فهو عند سماع تلك الكلمات على خطر عظيم من التروّي في غياهب الإلحاد ، والوقوع في مهاوي الحلول والاتّحاد ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا .
ونحن نتكلّم في هذا المقام بما يسهل تناوله على الأفهام ، فنقول :


إكسير المحبّة
84

معصيتهم إيّاه ، وهؤلاء في الحقيقة لا يتنعّمون بنعمة المحبّة ، وعبادتهم غير قائمة على أساس المحبّة ، وإنّما على أساس الخوف والخشية ، وفي المقابل تعني محبّة اللّه لهذه الطائفة توفيق العمل الصالح في الدنيا ، وجزاؤهم في الآخرة الجنّة .
ولكن في الوقت نفسه يوجد من بين عباد اللّه ثلّة ـ وإن كانت قليلة عددا ـ تحبّ اللّه واقعا وتطيعه لا عن خوفٍ من عذابه ، ولا طمعا في جنّته ، وإنّما حبّا له وتعلّقا به ، هذه الثلّة تقول في مناجاتها للّه : «سيّدي أنا مِن حبّك ظمآنٌ لا أُروى» ، وتقول أيضا : «ما أطيب طعم حبّك» ، وأيضا : «يانعيمي وجنّتي» ، وأيضا : «فهبني يا إلهي ... صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر على فراقك» ، وما إلى ذلك .
ومن الطبيعيّ أنّ حبّ اللّه لهذه الثلّة يتّخذ مفهوما آخر ، والمعنى والمفهوم الحقيقي لهذين النوعين من المحبّة لا يدركه إلاّ من بلغ تلك المرحلة ، وكلّ كلام يستهدف بيان المحبّة الحقيقيّة للمخلوق تجاه الخالق وتفسيرها وبالعكس يبقى ناقصا غير وافٍ بالغرض ، وأفضل بيان يعكس آثار هذه المحبّة هو ما ورد في حديث «التقرّب بالنوافل» ۱ .
إنّ الفقيه والمحقّق الكبير الشيخ البهائي رحمه الله بخصوص هذا الحديث

1.راجع : صحيح البخارى : ۵ / ۲۳۸۵ / ۶۱۳۷ ، السنن الكبرى : ۱ / ۳۷۰ / ۲۰۹۸۰ ، مسند ابن حنبل : ۱۰ / ۱۱۲ / ۲۶۲۵۳ .

  • نام منبع :
    إكسير المحبّة
    المساعدون :
    التقديري، محمد؛ المسعودي، عبد الهادي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 75982
الصفحه من 144
طباعه  ارسل الي