239
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.ما تحتَها؟» قال :لا أدري ، إلاّ أنّي أظُنُّ أن ليس تحتَها شيءٌ . فقال : أبو عبداللّه عليه السلام : «فالظنُّ عَجْزٌ لما لا تَستيقِنُ» .
ثمَّ قال أبو عبداللّه : «أفَصَعِدْتَ السماءَ؟» قال : لا ، قال : «أفَتَدْري ما فيها؟» قال : لا ؛ قال : «عَجَبا لك لم تَبلُغِ المشرقَ ، ولم تَبلُغِ المغربَ ، ولم تَنزِلِ الأرضَ ، ولم تَصْعَدِ السماءَ ، ولم تَجُزْ هناك فتَعرِف ما خلفهنَّ وأنت جاحدٌ بما فيهنَّ ، وهل يَجحدُ العاقلُ ما لا يَعرِفُ؟!» .
قال الزنديق: ما كَلَّمَني بهذا أحدٌ غيرُك . فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «فأنت من ذلك في شكّ ، فلعلّه هو و لعلّه ليس هو؟» فقال الزنديق : ولعلَّ ذلك .
فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «أيّها الرجلُ ، ليس لمن لا يعلَمُ حُجَّةٌ على من يَعلَمُ ، ولا حجّةَ للجاهل . يا أخا أهل مصر ، تَفهَّمْ عنّي ، فإنّا لا نَشُكُّ في اللّه أبدا ، أماترى الشمسَ والقمرَ والليلَ والنهارَ يَلِجان فلا يَشتبهان ويَرجِعان ، قد اضطُرّا ، ليس لهما مكانٌ إلاّ مكانُهما ،

فلمّا تقرّر هذا في ذهنه ، زاده بيانا بأنّ السماء التي لم يصعدها كيف يكون له الجزم والمعرفة بما فيها و ما ليس فيها .
ولمّا تقرّر هذا أيضا في ذهنه، وأقرّ بأنّه ليس له معرفة بما فيها، أقبل عليه السلام عليه يوبّخه لإنكاره وجودَ إله وصانع للسماوات والأرضين وما فيهنّ، ووجودَ آياته وآثار ربوبيّته وصنعه فيهما التي لو اطّلع عليها لانقلب الشكّ يقينا والجهلُ علما، فلمّا عرف قبح إنكاره لما لا معرفة له فيه، وتنزّل من الإنكار إلى الشكّ، وأقرّ بأنّه شاكّ بقوله: «ولعلّ ذلك» تصديقا لقوله عليه السلام : «فأنت من ذلك في شكّ» فأخذ عليه السلام في هدايته، وقال: ليس للشاكّ دليل وللجاهل حجّة، فليس لك إلاّ طلب الدليل على ما هو الحقّ، فكن طالبا واستمع وتفهّم عنّي ، فإنّا نتيقّن بوجود الصانع ولا نشكّ فيه أبدا .
فاستدلّ على مطلوبه بوجود حوادثَ من أحوال العالم من السماء وكواكبها والأرض وعوارضها، وقال: (أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار...) أي تعلم الليل والنهار وآيتيهما بولوج كلّ من الليل والنهار في صاحبه، أي دخولِ شيء من الوقت والقدر الذي كان داخلاً في الليل في النهار، وبالعكس (فلا يشتبهان) أي فلا يشتبه قدرهما


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
238

۰.هِشامُ بن الحَكَم : كانَ بمصرَ زنديقٌ تَبْلُغُه عن أبي عبداللّه عليه السلام أشياءُ ، فخَرَجَ إلى المدينة ليُناظِرَه ، فلم يصادِفْه بها ، وقيل له : إنّه خارجٌ بمكّةَ ، فَخرَجَ إلى مكّةَ ونحن مع أبي عبداللّه ، فصادَفَنا ونحن مع أبي عبداللّه عليه السلام في الطواف ، وكان اسمه «عبد الملِك» و كنيته «أبو عبداللّه » فضرب كَتِفَه كَتِفَ أبي عبداللّه عليه السلام ، فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «ما اسمُكَ؟» فقال: اسمي عبدُ الملِك ، قال : «فما كنيتُك؟» قال: كنيتي أبو عبداللّه ، فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «فمَن هذا الملِكُ الذي أنت عبدُه؟ أمِنْ ملوكِ الأرض ، أم من ملوكِ السماء؟ وأخبِرْني عن ابْنِكَ ، عَبْدُ إله السماء ، أم عَبْدُ إله الأرض؟ قل : ما شئتَ تُخْصَمْ» . قال هشامُ بن الحكم : فقلت للزنديق : أما تَرُدُّ عليه ، قال : فقَبَّحَ قولي .
فقال أبو عبداللّه : «إذا فرَغْت من الطواف فَأتِنا» . فلمّا فَرَغَ أبو عبداللّه أتاهُ الزنديقُ ، فقَعَدَ بين يدي أبي عبداللّه و نحن مجتمعون عنده ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام للزنديق : «أتَعلَمُ أنَّ للأرض تحتا وفوقا؟» قال : نعم ، قال : «فدَخَلْتَ تحتها؟» قال : لا ، قال : «فما يُدريكَ

ولمّا كان هذا الخروج في الحوادث الزمانيّة ظاهرا لا يحتاج إلى مؤونة بيان ، ولم يكن للمجادل سبيل إلى إنكاره، أخذ يستدلّ بها على الاحتياج إلى المحدث ووجوده، ويتمّم ۱ مطلوبه من التوحيد بما يبيّنه ، كما سيظهر ۲ عند تقرير الدلائل .
قوله: (أتعلم أنّ للأرض تحتا وفوقا...؟)
ابتدأ عليه السلام بإزالة إنكار الخصم، وإخراجه من مرتبة الإنكار إلى مرتبة الشكّ؛ ليستعدّ نفسه للإقبال على الحقّ وقبول ما جُبلت العقول السليمة على قبولها والإذعانِ بها؛ فإنّ الأسباب الفاعليّة والشروطَ الخارجيّة لا تغني عن ۳ سلامة القابل واستعداده للتحلّي بكماله القابل له، والإنكارُ من الآفات المانعة عن إدراك الحقّ على ما هو عليه في نفس الأمر، فأزال إنكاره بأنّه غير عالم بما في الأرض تحتها، وليس له سبيل إلى الجزم بأن ليس تحتها شيء.

1.في «ل» : «يتمّ» .

2.في «ت» : «يظهر» .

3.في «خ» : «من» .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    المساعدون :
    النائینی، رفیع الدین محمد بن حیدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 136584
الصفحه من 672
طباعه  ارسل الي