243
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.لِمَ لا تَنْحَدِرُ الأرضُ فوقَ طِباقِها ، ولا يَتماسكانِ ، ولا يَتماسَك مَن عليها؟» ، قال الزنديق : أمْسَكَهما اللّه ُ ربُّهما وسيّدُهما .

(لِمَ لا تسقط السماء على الأرض؟) أي لا تتحرّك بهذا النحو من الحركة حتّى تقع على الأرض بأن يحرّكها اضطرارا بهذه من كان يحرّكها تلك الحركاتِ الاضطراريّة .
(لِمَ لا تنحدر الأرض فوق طباقها؟). طباق الأرض ما علاها، أي لِمَ لا تنهبط الأرض من فوق ما علاها منها؟ أو لِمَ لا تعلو و ترتفع فوق ما علاها؟
«تنحدر» على احتمالَيْ كونها من الانحدار والتحدّر ۱ أي لا تتمالكان ولا تحفظان حالهما (ولا يتماسك من عليها) أي على الأرض. وعدم التماسك على الأوّلين ظاهر . وأمّا على الثالث فلأنّه مع انهباطها أو ارتفاعها وتحدّبها لا يتيسّر جري القنوات والأنهار ونبع العيون والآبار، أو ينجرّ إلى إحاطة الماء بها .
الوجه الثاني: لِمَ السماء أي ما ارتفع من السماء والسحاب والأبخره مرفوعةٌ، والأرض و ما فيها من الأنهار والبحار والمياه موضوعة؟ لِمَ لا يسقط ۲ السماء أي المرتفع من السحاب والأبخرة على الأرض؟ لِمَ لا ينحدر ۳ الأرض ، أي لِمَ لا تغور ما فيها من المياه والآبار من فوق طباقها، أو لِمَ لا يرتفع ۴ ولا تعلو ما فيها من المياه فوق طباقها، وإذا وقع شيء من ذلك لا يتماسكان ولا يتماسك ۵ مَن في الأرض، فلهما ممسكٌ قادرٌ مختارٌحكيم، فأقرّالمخاطب وقال: (أمسكهما اللّه ربّهماوسيّدهما).
أقول: هذا الدليل والأدلّة التي ستُذكر في الأحاديث الآتية كلُّها مبنيّة على مقدّمات مرتكزة في العقول السليمة، لا يُشكّ فيها إلاّ عند الاشتباه الناشئ من ورود الشُبَه التي لا يُقدر على حلّها؛ للعجز عن التفصيل والتبيين اللذَيْن بهما يتبيّن انحلالها، ولم يتوجّه عليه السلام إلى بيانها؛ حيث لم يتوقّف المخاطب في التصديق للشكّ فيها، ولقد وقع الاحتياج إليها في زماننا؛ لشيوع الشُبَه وكثرةِ ذكرها بين المتأخّرين، وكثر نفع بيان تلك المقدّمات للطالبين، فرأيت أن اُوردها ليُنتفع بها في إثبات البارئ الأوّل :
المقدّمة الأُولى : أنّ ما يخرج من العدم إلى الوجود لا يمكن أن يخرج بنفسه ، بل يحتاج إلى موجِدٍ موجودٍ مباين له؛ لأنّ ما لا يكون موجودا فيصير موجودا لا يمكن أن يصير موجودا ويحصلَ له الوجودُ إلاّ بمحصّل لوجوده ، وسببٍ لاتّصافه به، ولا يجوز أن يكون ذلك المحصّل للوجود مهيّتَه الخاليةَ عن الوجود؛ لأنّ إعطاء الوجود وتحصيلَه من غير الموجود لا يتصوّر، فلابدّ أن يكون الموجِد له ، والعلّةُ المطلقة لوجوده موجودا مباينا له .
وقد استعملها ۶ أبو عبد اللّه عليه السلام ، كما رواه الصدوق ابن بابويه بإسناده عن هشام بن الحكم أنّه قال أبو شاكر الديصاني لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما الدليل على أنّ لك صانعا؟ فقال: «وجدتُ نفسي لا يخلو ۷ من إحدى جهتين: إمّا أن أكون صنعتُها أنا، فلا أخلو من أحد معنيين : إمّا أن أكون صنعتُها وكانت موجودة، أو صنعتُها وكانت معدومةً، فإن كنتُ صنعتُها وكانت موجودة فقد استغنيت بوجودها ۸ عن صنعتها، وإن كانت معدومة فإنّك تعلم أنّ المعدوم لا يُحدث شيئا؛ فقد ثبت المعنى الثالث أنّ لي صانعا
وهو اللّه ربّ العالمين». ۹
والمقدّمة الثانية: أنّ ما يوجد فيه شيئان ـ ولو بالتحليل ـ لابُدّ لضمّهما من موجِبٍ ـ أحدَهما كان أو ثالثا ـ فبيانها أنّه ما ينحلّ إلى الشيئين في العقل، ويحكم العقل بانحلاله إليهما حكما صادقا ـ سواء كان الانحلال إلى ذاتيّين، أو إلى الذاتي والعرضي انحلالاً يخلو فيه كلّ منهما في مرتبته عن الآخر ـ فللاتّحاد أو الخلط والمقارنة فيه لا محالة سببٌ، وسببه إمّا أحدهما أو الثالث .
ثمّ لا يجوز في الوجود المطلق ـ الذي لا يكون ذاتيا للموجود في الخارج؛ لكونه من المنتزعات العقليّة ـ أن يكون سببا لهذا الانضمام الذي هو الموجوديّة؛ فإنّ مقتضِي كون الشيء موجودا ـ أي كونه بحيث يصحّ انتزاع الوجود منه ـ لا يكون إلاّ ما هو موجود، فضلاً عن أن يكون ما لا يتصوّر وجوده، ولا يجوز سببيّة المهيّة الخالية عن الوجود ـ أي المأخوذة بحيث لا يصحّ أن ينتزع منها الوجود ـ لهذا الانضمام ولصحّة الانتزاع التي هيكونه موجودا؛ لأنّ المعدوم لا يصحّ ۱۰ إيجاده لشيء فضلاً عن أن يوجِد ذاتَه بديهةً ۱۱ ، فالسبب في صحّة انتزاع الوجود و انضمامه إلى المهيّة ـ التي يصحّ خلوّها في مرتبة اللحاظ العقلي عن الوجود ـ لا يكون إلاّ موجودا آخَرَ يفيد وجود هذا الموجود .
المقدّمة الثالثة: أنّ الموجودات ـ التي يحتاج كلّ واحد منها إلى موجد مباين له ـ يحتاج مجموعُها إلى الموجب المباين له، وحكم الواحد والجملة لا يختلف فيه؛ لأنّ مجموعها ماهيّات يصحّ عليها جملةً أن تكون خاليةً عن الوجود ؛ فإنّه كما يصحّ تحليل كلّ واحد إلى مهيّة ووجود منتزع منها ، وامتيازهما عند العقل في
ملاحظتهما امتيازا لا يكون معه وفي مرتبته خلطٌ بينهما ، ولذلك يحكم بكونه محتاجا إلى سبب مباين له موجودٍ، كذلك يصحّ على الجملة والمجموع منها متناهيةً ما كان يصحّ على كلّ واحد، وكذلك يصحّ على الجملة والمجموع غير المتناهية المؤلّفة من تلك الآحاد ما يصحّ على كلّ واحد منها؛ فإنّ العقل لا يفرّق في هذا الحكم بين الجملة المتناهية ، والجملة غير المتناهية كما لا يفرّق فيه الجملة المتناهية وكلّ واحد .
وإذ قد تمهّدت المقدّمات، فأقول :
خلاصة الاستدلال أنّه لا شكّ في [ أنّ] حركات المتحرّكات من العِلْويّات حركاتٌ ليست طبيعيةً ۱۲ للمتحرّك بها؛ للانصراف عمّا يتحرّك إليه، ولا إراديّةً للمتحرّك؛ لانضباطها ودوامها و انحفاظها الدالّةِ على عدم اختلاف أحوال المتحرّك بالحركة من الاستنشاط ، أو الكَلال ، أو حدوثِ ميل وغيرها التي يُتحدّس منها بكونها غيرَ إراديّة للمتحرّك . وكلّما وُجدت الحركة ، كان المحرّك الموجبُ لها موجودا بحكم المقدّمة الأُولى والثانية، وإذ ۱۳ ليست طبيعيةً أو إرادية للمتحرّك ، فله ۱۴ محرّك يضطرّه إلى الحركة، والقاهر الذي اضطرّه إلى الحركة أقوى منه وأحكمُ؛ لأنّ الضعيف لا يمكنه قهر القويّ، فلا يكون حالاًّ في المتحرّك، محتاجا إليه، وأكبر من أن يُحاط بالمتحرّك أو يحصر ۱۵ فيه، أو أن يتّصف بمثل صفته الاضطراريّة، ولابدّ أن ينتهي إلى محرّك لا يكون جسما؛ لأنّ الجسم لا يحرّك الجسم إلاّ بالمجاورة والحركة ، أو إحداثِ محرّك في المتحرّك .
وإذ ۱۶ عرفت أنّ المحرّك ليس في المتحرّك، فيكون التحريك بالحركة، والكلامُ

1.في «خ ، م» : «أو التحدّر» .بمعنى التورّم والتسمّن تشبيها لنُتُوِّها وارتفاعها بالسِمَن والتوّرم . (ولا تتماسكان) في حاشية «خ» : أي لا تمسك السماء الأرض عن الانحدار، والأرض السماء عن الانهباط؛ لأنّهما لا يتمالكان، أي لا يملك أحدهما شيئا من أمر صاحبه، وما لا يملك لنفسه شيئا لا يملك لغيره بطريق أولى .

2.في «خ ، ل»: «لا تسقط» .

3.في «خ ، ل» : «لاتنحدر» .

4.في «خ» : «لا ترتفع» .

5.في «خ» : «لا تتماسكان و لا تتماسك» .

6.الضمير راجع إلى المقدّمة الأُولى .

7.في «ل» : «لا تخلو» .

8.في «خ ، ل» : «لوجودها» .

9.التوحيد، ص ۲۹۰، باب (۴۱) أنّه عزّ وجلّ لا يعرف إلاّ به، ح ۱۰ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۳، ص ۵۱، باب إثبات الصانع والاستدلال ... ، ح ۲۳ .

10.في «خ» : + «بديهيّة» ؛ و في «ل» : + «بديهة» .

11.في «ل» : - «بديهة» .

12.في «خ» : «طبعية» .

13.في «خ» : «إذن» .

14.في «ل» : «فلها» .

15.في «خ» : «يحضر» .

16.في «ت» : «إذ» ؛ وفي «ل» : «إذ قد عرفت» .


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
242

۰.ثمّ قال أبو عبداللّه عليه السلام : «يا أخا أهلِ مصرَ ، إنّ الذي تَذهبونَ إليه وتَظُنّونَ أنّه الدهرُ إن كان الدهرُ يَذهبُ بهم لِمَ لا يَرُدُّهم ؟ وإن كان يَرُدّهم لِمَ لا يذهب بهم؟ القومُ مُضطرُّون يا أخا أهل مصر ، لِمَ السماءُ مرفوعَةٌ والأرضُ مَوضوعَةٌ ؟ لِمَ لا يَسقطُ السماءُ على الأرض ؟

بذهاب وهمه إليه وقال: (إنّ الذي تذهبون إليه وتظنّون أنّه الدهر) أي مذهبكم ومظنونكم أنّ ذلك المبدأ الجبّار القاهر للكلّ أو للسفليّات هو الدهر بقوله: (إن كان الدهر يذهب بهم لِمَ لا يردّهم؟ وإن كان يردّهم لِمَ لا يذهب بهم؟)
هذا استدلال باختلاف الأفعال الدالّة باختلافها على كونها اختياريّة غير طبيعية لفاعلها على أنّ الفاعل لها مختار .
ونَبَّهَ على أنّه لا يمكن أن يكون الفاعل المختار لها هو الموصوفَ بالذهاب والرجوع بقوله (القوم مضطرّون) أي في الذهاب والخروج من الوجود ۱ والرجوع والدخول فيه، فيجب أن يكون مستندا إلى الفاعل القاهر للذاهبين والراجعين على الذهاب والرجوع، والدهرُ لا شعور له فضلاً عن الاختيار . ثمّ لمّا كان هذا البيان مخصوصا بالكائن الفاسدالمتغيّر في أحواله بحسبها، نَبَّهَ بالاختلاف الواقع في المحفوظة على أحوال مختلفة غير متغيّرة على اختيار مبدئها ، حتّى يتبيّن عدم مبدئيّة الدهر للعِلْويّات أيضا، سواء كان متوهّما أو مظنّة للتوهّم بقوله: (لِمَ السماء مرفوعة والأرض موضوعة) .
ولتقرير هذا الكلام وجهان :
[ الوجه] الأوّل : لِمَ لا يكون السماء والأرض ملتصقين، فلا يكونَ السماء مرفوعةً والأرض موضوعةً ؟

1.في حاشية «ت» : أي الذهاب والخروج من الوجود إلى العدم . والرجوع والدخول تفسير للردّ، يعني أنّ الموت والحياة ليسا فعلين اختياريين للقوم، بل هما اضطراريان. و عُبِّر عن حدوث القوم ووجودهم بعدّ عدم الأوّل بالرجوع لأنّ الممكن من حيث هو ممكن ـ أي مع قطع النظر عن الفاعل ـ معدوم، الفاعل يردّه ويرجعه إلى الوجود .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    المساعدون :
    النائینی، رفیع الدین محمد بن حیدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 136253
الصفحه من 672
طباعه  ارسل الي