۰.فلمّا لم يَبْقَ عنده غيري ابْتَدَأني فقال : «إن يَكن الأمرُ على ما يقول هؤلاء ، وهو على ما يقولونَ ـ يعني أهلَ الطواف ـ فقد سَلِموا وعَطِبْتم ، وإن يكن الأمرُ على ما تقولون ـ وليس كما تقولون ـ فقد استَوَيْتم و هُم» .
فقلتُ له : يرحمك اللّه وأيَّ شيءٍ نَقولُ ، وأيَّ شيءٍ يقولون؟ ما قولي وقولُهم إلاّ واحد . فقال: «وكيف يكونُ قولُك وقولُهم واحدا، وهم يقولون: إنَ لهم مَعادا وثَوابا وعِقابا،ويدينون بأنَّ في السماء إلها وأنّها عُمْرانٌ ، وأنتم تَزعُمونَ أنَّ السماءَ خَرابٌ ليس فيها أحدٌ؟!» .
قال : فَاغْتَنَمْتُها منه ، فقلتُ له : ما مَنَعَه ـ إن كان الأمرُ كما يقولونَ ـ أن يَظهَرَ لخلقه ويَدْعُوَهم إلى عبادته حتّى لا يَختَلِفَ منهم اثنانِ؟ ولِمَ احتَجَبَ عنهم وأرسَلَ إليهم الرسلَ؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرَبَ إلى الإيمان به . فقال لي : «ويلك وكيف احْتَجَبَ عنك مَن أراك قدرتَه في نفسك : نُشُوءَكَ ولم تَكُنْ ، وكِبَرَك بعد صِغَرِكَ ، وقُوَّتَك بعد ضَعْفِك ،
والفاعل إمّا بمعنى المصدر كقولك: قمت قائما، أو تميزٌ من «يتروّح» أي كونُه روحا صرفا من جهة أنّه باطن مخفيّ ۱ .
قوله: (ويدينون بأنّ في السماء إلها) أي للسماء مدبّرا معبودا يُعبد فيها، ويستحقّ لأن يكون معبودا لكلّ أحد، فأرسل الرسل، ودعا خلقه إلى عبادته، وشرع لهم الشرائع (وأنّها عُمرانٌ) أي إنّ لها أهلاً وهم الذين يعبدون الإله، ويطيعونه فيها (وتزعمون أنّ السماء خراب) أي ليس لها أهل (وليس فيها أحد) لا مَن يَعبُد من أهلها، ولا مَن يَعبُدهُ فيها أهلُها، ويستحقّ لأن يُعبَد، ولا رسالة ولا شريعة .
قوله: (ما منعه إن كان الأمر كما يقولون...) شبهة من الزنديق على مطلوبه ، بأنّه لو كان الأمر كما يقولون ولا مانع من ظهوره على خلقه ودعوةِ عباده إلى عبادته، لظهر ودعا، ولمّا لم يظهر لخلقه، عُلم أنّه ليس الأمر على ما يقولون.
وقوله عليه السلام : (وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك ...) استدلالٌ منه عليه السلام على ظهوره سبحانه لخلقه وعدم احتجابه عنهم بأن أراهم قدرته في أنفسهم