249
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.فلمّا لم يَبْقَ عنده غيري ابْتَدَأني فقال : «إن يَكن الأمرُ على ما يقول هؤلاء ، وهو على ما يقولونَ ـ يعني أهلَ الطواف ـ فقد سَلِموا وعَطِبْتم ، وإن يكن الأمرُ على ما تقولون ـ وليس كما تقولون ـ فقد استَوَيْتم و هُم» .
فقلتُ له : يرحمك اللّه وأيَّ شيءٍ نَقولُ ، وأيَّ شيءٍ يقولون؟ ما قولي وقولُهم إلاّ واحد . فقال: «وكيف يكونُ قولُك وقولُهم واحدا، وهم يقولون: إنَ لهم مَعادا وثَوابا وعِقابا،ويدينون بأنَّ في السماء إلها وأنّها عُمْرانٌ ، وأنتم تَزعُمونَ أنَّ السماءَ خَرابٌ ليس فيها أحدٌ؟!» .
قال : فَاغْتَنَمْتُها منه ، فقلتُ له : ما مَنَعَه ـ إن كان الأمرُ كما يقولونَ ـ أن يَظهَرَ لخلقه ويَدْعُوَهم إلى عبادته حتّى لا يَختَلِفَ منهم اثنانِ؟ ولِمَ احتَجَبَ عنهم وأرسَلَ إليهم الرسلَ؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرَبَ إلى الإيمان به . فقال لي : «ويلك وكيف احْتَجَبَ عنك مَن أراك قدرتَه في نفسك : نُشُوءَكَ ولم تَكُنْ ، وكِبَرَك بعد صِغَرِكَ ، وقُوَّتَك بعد ضَعْفِك ،

والفاعل إمّا بمعنى المصدر كقولك: قمت قائما، أو تميزٌ من «يتروّح» أي كونُه روحا صرفا من جهة أنّه باطن مخفيّ ۱ .
قوله: (ويدينون بأنّ في السماء إلها) أي للسماء مدبّرا معبودا يُعبد فيها، ويستحقّ لأن يكون معبودا لكلّ أحد، فأرسل الرسل، ودعا خلقه إلى عبادته، وشرع لهم الشرائع (وأنّها عُمرانٌ) أي إنّ لها أهلاً وهم الذين يعبدون الإله، ويطيعونه فيها (وتزعمون أنّ السماء خراب) أي ليس لها أهل (وليس فيها أحد) لا مَن يَعبُد من أهلها، ولا مَن يَعبُدهُ فيها أهلُها، ويستحقّ لأن يُعبَد، ولا رسالة ولا شريعة .
قوله: (ما منعه إن كان الأمر كما يقولون...) شبهة من الزنديق على مطلوبه ، بأنّه لو كان الأمر كما يقولون ولا مانع من ظهوره على خلقه ودعوةِ عباده إلى عبادته، لظهر ودعا، ولمّا لم يظهر لخلقه، عُلم أنّه ليس الأمر على ما يقولون.
وقوله عليه السلام : (وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك ...) استدلالٌ منه عليه السلام على ظهوره سبحانه لخلقه وعدم احتجابه عنهم بأن أراهم قدرته في أنفسهم

1.في «ل» : «خفي» .


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
248

۰.إحلالك إيّاه المحلَّ الذي وَصَفْتَ؟ فقال ابن المقفّع : أمّا إذا تَوَهَّمْتَ عليَّ هذا فقُمْ إليه وتَحَفَّظْ ما استطعتَ من الزلل ، ولا تَثْني عنانَك إلى استرسالٍ فيُسَلِّمَكَ إلى عِقالٍ ، وسِمْهُ ما لَك أو عليك . قال : فقام ابن أبي العوجاء وبقيتُ أنا وابن المقفّع جالِسَيْنِ ، فلمّا رجَع إلينا ابن أبي العوجاء قال : ويلك يا ابن المقفّع ، ما هذا ببَشَرٍ ، وإن كان في الدنيا روحانيٌّ يَتَجَسَّدُ إذا شاءَ ظاهرا و يَتَرَوَّحُ إذا شاء باطنا فهو هذا . فقال له : وكيف ذلك؟ قال : جلستُ إليه ،

قوله: (أمّا إذا توهّمت عليَّ هذا فَقم إليه ...).
«أمّا» للشرط، وفعله محذوف، ومجموع الشرط والجزاء الذي بعدها جواب لذلك الشرط. وذِكْر «عليّ» لتضمين التوهّم معنى الكذب والافتراء (وتحفَّظْ) أي لا تغفُل (ما استطعت) .
وقوله: (ولا تَثْنِ) نهي . وفي بعض النسخ «ولا تثني» ويكون نفيا يراد به النهي، وإنشاءً في قالب الخبر، أي ولا تعطف (عنانك) .
و «العنان» : سَيْر اللجام الذي يُمسك ۱ به الدابّة ، والمراد به هاهنا ما يُمسك ۲ به نفسَه (إلى استرسال) أي رفق وتُؤَدَةٍ، أي لا تَمِل إلى الرفق والمساهلة (فيسلمك إلى عقال) من التسليم أو الإسلام، يقال: أسلم أمره إلى اللّه أي سلّمه .
وقوله: (وسُمْهُ ما لك وعليك ۳ ) السوم: أن يجعل الشيء في معرض البيع والشرى، ويُتعرّض للمعاملة بأخذه أو إعطائه ۴ . والمراد أنّه تحفّظ ولا تساهل وساوِمه فيما لك و ما عليك، أي أعرض عليه ما لك واستمع منه ما عليك ناظرا فيهما بنظر البصيرة لئلاّ تُغلَب وتصير محجوجا .
وقوله: (يتجسّد) أي يصير ذا جسد و بدن يُبصر به ويُرى (إذا شاء [ ظاهرا] ويتروّح) أي يصير روحا صرفا ويبطن و يختفي عن الأبصار والعيون (باطنا) .

1.في «خ ، ل ، م» : «تمسك» .

2.في «خ ، ل» : «تمسك» .

3.في «خ ، ل» : «و ما عليك»؛ و في الكافي المطبوع: «أو عليك» .

4.في «ل» : «وإعطائه» .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    المساعدون :
    النائینی، رفیع الدین محمد بن حیدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 136011
الصفحه من 672
طباعه  ارسل الي