253
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۳.حدَّثني محمّد بن جعفر الأسديّ ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكيّ الرازيّ ، عن الحسين بن الحسن بن بُرْدٍ الدينوري ، عن محمّد بن عليّ ، عن محمّد بن عبداللّه الخراسانيّ خادمِ الرضا عليه السلام قال : دَخَلَ رجلٌ من الزنادقة على أبي الحسن عليه السلام وعندَه جَماعةٌ . فقال أبو الحسن عليه السلام : «أيّها الرجلُ ، أرأيتَ إن كانَ القولُ قولَكم ، وليس هو كما تقولونَ ، ألَسْنا وإيّاكم شَرَعا سَواءً ، لا يَضُرُّنا ما صَلَّينا وصُمْنا وزَكَّيْنا وأقْرَرْنا؟» . فسَكَتَ الرجلُ ، ثمّ قال أبو الحسن عليه السلام : «وإن كانَ القولُ قولَنا ، وهو قولُنا ، ألَستُم قد هَلَكْتُمْ ونَجَوْنا؟» . فقال : رَحِمَكَ اللّه ُ ، أوجِدْني كيف هو ؟ وأين هو؟ فقال : «ويلك ، إنّ الذى ذَهَبْتَ إليه غلطٌ ، هو أيَّنَ الأينَ بلا أينٍ ، وكَيَّفَ الكيفَ بلا كيف ، فلا يُعْرَفُ بالكيفوفيّةِ ولا بأينونيةٍ ،


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
252

۰.عنه ، عن بعض أصحابنا ، رَفَعَهَ ، وزادَ في حديث ابن أبي العوجاء حين سَألَه أبو عبداللّه عليه السلام قال : عادَ ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني إلى مجلس أبي عبداللّه عليه السلام فجَلَسَ وهو ساكتٌ لا يَنطقُ ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «كأنَّكَ جئتَ تُعيدبعض ما كُنّا فيه؟» فقال : أردتُ ذلك يا ابن رسول اللّه . فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «ما أعجَبَ هذا ، تُنْكِرُ اللّه َ وتَشهَدُ أنّي ابنُ رسولِ اللّه !» . فقال : العادةُ تَحْمِلُني على ذلك . فقال له العالم عليه السلام : «فما يَمنَعُكَ من الكلام؟» قال : إجلالاً لك ومَهابةً ما يَنطلِقُ لساني بين يديك ، فإنّي شاهَدْتُ العلماءَ وناظرتُ المتكلّمين فما تَداخَلَني هيبةٌ قطُّ مثلُ ما تَداخَلَني من هيبتك ، قال : «يكونُ ذلك ، ولكن أفتَحُ عليك بسؤال» وأقبَلَ عليه ، فقال له : «أمصنوعٌ أنت أو غيرُ مصنوعٍ؟» فقال عبدُالكريم بن أبي العوجاء : بل أنا غيرُ مصنوعٍ ، فقال له العالم عليه السلام : «فصِفْ لي لو كنتَ مصنوعا كيف كنتَ تكون؟» فبَقِيَ عبدالكريم مَلِيّا لا يُحير جوابا ، و وَلعَ بخَشَبَةٍ كانت بين يديه ، وهو يقول : طويلٌ ، عريضٌ ، عميقٌ ، قصيرٌ ، متحرّكٌ ، ساكنٌ ، كلُّ ذلك صِفَةُ خَلْقه ، فقالَ له العالم : «فإن كنتَ لم تَعْلَمْ صِفَةَ الصَّنْعَةِ غيرَها ، فَاجْعَلْ نفسَك مصنوعا لما تَجِدُ في نفسك ممّا يَحْدُثُ من هذه الأُمورِ» .
فقال له عبدالكريم : سألتني عن مسألة لم يَسْألْنِي عنها أحَدٌ قبلَك ، ولا يَسْألُنِي أحدٌ بعدَك عن مثلِها ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «هَبْكَ عَلِمتَ أنّك لم تُسألْ فيما مضى ، فما عَلَّمَكَ أنّك لا تُسألُ فيما بعدُ ، على أنّك يا عبدالكريم نَقَضْتَ قولَك ؛ لأنّك تَزعُمُ أنَّ الأشياءَ من الأوَّل سواء ، فكيف قدّمْتَ وأخّرتَ؟!» . ثمَّ قال : «يا عبدالكريم ، أزيدُك وضوحا : أرأيتَ لو كان معك كِيسٌ فيه جواهرُ ، فقال لك قائلٌ : هل في الكيس دينارٌ؟ فَنَفَيْتَ كونَ الدينار في الكيس ، فقالَ لك صِفْ لي الدينار وكنتَ غير عالم بصفته ، هل كانَ لك أن تنفي كون الدينار عن الكيس وأنت لا تعلم؟» قال : لا ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «فالعالَمُ أكبرُ وأطولُ وأعرضُ من الكيس ، فلعلَّ في العالم صَنعةً من حيثُ لا تَعلَمُ صِفَةَ الصنعةِ من غير الصنعة». فَانْقَطَعَ عبدُالكريم، وأجاب إلى الإسلام بعض أصحابه، وبقي معه بعض.
فعادَ في اليوم الثالث ، فقال : أقْلِبُ السؤالَ ، فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «سَلْ عمّا شئتَ» . فقال : ما الدليلُ على حَدَثِ الأجسام؟ فقال : «إنّي ما وَجَدْتُ شيئا صغيرا ولا كبيرا إلاّ وإذا
ضُمَّ إليه مِثلُه صارَ أكبَرَ ، وفي ذلك زوالٌ وانتقالٌ عن الحالة الاُولى ، ولو كانَ قديما ما زالَ ولا حالَ ؛ لأنَّ الذي يَزولُ ويَحولُ يَجوزُ أن يوجَدَ ويُبْطَلَ فيكونُ بوجوده بعد عدمِه دخول في الحَدَث ، وفي كونه في الأزل دخولُه في العدم ، ولن تجتمعَ صفةُ الأزلِ والعدم والحدوث والقدم في شيءواحد» .
فقال عبدالكريم : هَبْكَ علمتَ في جَرْي الحالتينِ والزمانينِ على ما ذكرتَ واستدللتَ بذلك على حدوثها ، فلو بَقِيَتِ الأشياءُ على صِغَرها من أين كان لك أن تَستدلَّ على حدوثهنَّ؟ فقال العالم عليه السلام : «إنّما نتكلّم على هذا العالَم الموضوعِ ، فلو رفعناه ووضعنا عالَما آخَرَ كانَ لا شيءَ أدَلَّ على الحدث من رَفْعِنا إيّاه ووَضعنا غيرَه ، ولكن اُجيبُك من حيث قَدَّرْتَ أن تُلْزِمَنا ، فنقول : إنَّ الأشياءَ لو دامَتْ على صِغَرِها لكانَ في الوهم أنّه متى ضُمَّ شيءٌ إلى مثله كانَ أكبر ، وفي جواز التغيير عليه خروجُه من القِدَم ، كما أنّ في تغييره دخولَه في الحَدَث ليس لك وراءَه شيءٌ يا عبدالكريم» فانقطع وخزي .
فلمّا كان من العام القابل التَقَى معه في الحَرَم ، فقال له بعض شيعته : إنَّ ابن أبي العوجاء قد أسْلَمَ ، فقالَ العالِمُ عليه السلام : «هو أعمى من ذلك لا يُسْلِمُ» . فلمّا بَصُرَ بالعالم قال : سيّدي ومولاي ، فقال له العالم عليه السلام : «ما جاء بك إلى هذا الموضع؟» فقال : عادةُ الجَسَدِ ، وسنّةُ البَلَدِ ، ولِنَنْظُرَ ما الناسُ فيه من الجنون والحَلْق ورَمْي الحجارة؟ فقال له العالم عليه السلام : «أنت بعدُ على عُتُوِّكَ وضَلالِك يا عبدالكريم» . فذهب يتكلّم ، فقال له عليه السلام : «لا جدال في الحجّ» ونَفَضَ رداءه من يده وقال : «إن يكن الأمرُ كما تَقولُ وليس كما تَقولُ ، نجونا ونجوتَ ، وإن يكن الأمر كما نقول وهو كما نقول ، نجونا وهلكتَ» . فأقبل عبدالكريم على مَن معه ، فقال : وجدت في قلبي حزازةً فرُدُّوني ، فَرَدُّوه ، فماتَ لارَحِمَهُ اللّه ُ .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    المساعدون :
    النائینی، رفیع الدین محمد بن حیدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 135826
الصفحه من 672
طباعه  ارسل الي