255
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.ولا يُدرَكُ بحاسَّةٍ ، ولا يُقاسُ بشيءٍ» .
فقال الرجل : فإذا إنّه لا شيءَ إذا لم يُدْرَكْ بحاسّةٍ من الحواسّ؟ فقالَ أبو الحسن عليه السلام : «ويلك ، لمّا عَجَزَتْ حواسُّك عن إدراكه أنكرتَ ربوبيَّتَه ونحن إذا عَجَزَتْ حواسُّنا عن

ولااستنادُ إحداهما إلى اُخرى؛ إذ لا يوجب القابليّة فعليّة الوجود لذاته ولا فعليّة فعليّته الخلوّ عن كما له، والاستعدادِ لما هو نقص له .
ولأنّ الأين لا يكون إلاّ المتقدّر، ولا يجوز عليه التقدّر بالمقدار كما سنبيّنه .
(ولا يدرك بحاسّةٍ) إذ لا كيفية له ولا إحساس إلاّ بإدراك الكيفيّة .
(ولا يقاس بشيء) أي لا يعرف قدره بمقياس؛ إذ لا أين له ولا مقدار له .
(قال ۱ الرجل: فإذا إنّه لا شيء) يعني أردتَ بيان شأن ربّك فإذا الذي ذكرتَه يوجب نفيه؛ لأنّ ما لا يمكن إحساسه لا يكون موجودا، أو المراد أنّه فإذا هو ضعيف الوجود ضعفا يستحقّ أن يقال له: لا شيء .
وقوله عليه السلام : (لمّا عجزت حواسّك عن إدراكه...) أي جعلتَ تعاليه عن أن يُدرك بالحواسّ وعجزَها عن إدراكه دليلاً على عدمه أو ضَعْفِ وجوده، فأنكرت ربوبيّته، ونحن إذا عرفناه بتعاليه عن أن يُدرك بالحواسّ أيقنّا أنّه ربّنا ، بخلاف شيء من الأشياء، أي ليس شيء من الأشياء المحسوسة ربَّنا؛ لأنّ كلّ محسوس ذو وضع، وكلَّ ذي وضع بالذات منقسم بالقوّة إلى أجزاء مقداريّة لا إلى نهاية؛ لاستحالة الجوهر الفرد، وكلّ منقسم إلى أجزاء مقداريّة يكون له أجزاء متشاركة في المهيّة، ومشاركة للكلّ فيها، وكلُّ ما يكون كذلك يكون ذا مهيّة و وجودٍ يصحّ عليها الخلوّ عنه، وكلُّ ما يكون كذلك يكون محتاجا إلى مبدأ مغاير له، فلا يكون مبدأً أوّلَ، بل يكون مخلوقا ذا مبدأ، فما هو مبدأٌ أوّلُ لا يصحّ عليه الإحساس، فالتعالي عن الإحساس ـ الذي جعلته مانعا للربوبيّة، وباعثا على إنكارك ـ مصحّح للربوبيّة، ودالّ على

1.في «خ ، ل» والكافي المطبوع : «فقال» .


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
254

قوله: (أوجدْني كيف هو؟ وأين هو؟) أي أفِدني كيفيّته ومكانه ، وأظفرني بمطلبي الذي هو العلم بالكيفيّة والأين فيه. وغرضه ذلك التوسّلُ بسؤاله إلى النفي الذي هو مطلوبه؛ لأنّه إن نفى عنه الكيف والأين ـ كما هو معتقد أهل الحقّ ـ يكون في ظنّه دليلَ العدم ، أو عدمِ ربوبيّته. ۱ ولو قيل بثبوت الكيفيّة والأين يتمسّك بنفي احتياجه في استغناء الأجسام عن المبدأ ، كما توهّمه .
ولذا لمّا نفى عليه السلام عنه الكيف والأين بقوله: (هو أيّن الأين ...) أي أوجد حقيقة الأين وأوجد حقيقة الكيف، فكان متقدّما على وجود الأين والكيف (فلا يعرف بالكيفوفيّة ولا بأينونيّة) أي بالاتّصاف بالكيف والأين، وبكونه ذا كيفيّة وذا أين .
وذلك لأنّه هو مبدأ قبل وجود الكيف والأين، فلا يعرف المبدأ بكونه ذا كيفيّة أو أينٍ . ۲
ولأنّ الخالق الموجِد لشيء متعالٍ عن الاتّصاف به؛ لأنّ الاتّصاف خروج من القابليّة إلى الفعليّة، والقابلُ خالٍ عن الوصف قبل الاتّصاف، عادمٌ له، والعادم لشيء وللأكمل والأتمّ منه لا يكون معطيا له، فالفاعل الخالق لا يكون معطيا نفسَه ما يستكمل به .
ولأنّ المبدأ الأوّل لمّا لم يجز عليه الخلوّ من الوجود فلو كان فيه قابليّة الصفة، لكان له جهتان ۳
، ولا يجوز استنادهما فيه إلى ثالث؛ إذ لا ثالث في تلك المرتبة،

1.في حاشية «ت» : أي و إن لم يكن في ظنّه دليل العدم، لكن يكون دليل عدم ربوبيته؛ لأنّه حينئذٍ يكون موجودا ضعيفا كما كان في بعض الأعراض كالإضافة .

2.في حاشية «ت ، م» : البيان الأوّل لأدنى النفوس وأقربها من الطبائع المادّيّة، والثاني للمتوسّط، والثالث لأعلاها وأرفعها عن الطبائع المقارنة وأحراها بمعرفة خواصّ الوجود الواجب لذاته (منه دام ظلّه العالي).

3.أي فعليّة الوجود وقابليّته .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    المساعدون :
    النائینی، رفیع الدین محمد بن حیدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 135662
الصفحه من 672
طباعه  ارسل الي