۰.البيضَةُ ولا تَصغُرُ الدنيا؟ قال هشام : النَّظِرَةَ ، فقال له : قد أنظَرْتُكَ حَوْلاً . ثم خَرَجَ عنه ،
والصِغَر ، ولمّا لم يكن عند هشام جوابه، قال: (النظرةَ) أي أسألك التأخيرَ في المطالبة بالجواب، فلمّا أنظره وأمهله، ركب هشامٌ إلى أبي عبد اللّه عليه السلام وسأله عن المسألة ، فبيّن له أبو عبد اللّه عليه السلام جوابَها بأن حمل المسألة على ما لا تهافت ولا تساقط فيها، أعني دخول الكبير في الصغير دخولاً لا يوجب كون الكبير صغيرا؛ وكونَ الصغير كبيرا، فيرجع السؤال إلى أنّه هل لهذا الدخول معنى محصَّلٌ مقدور له؟ وبيّن أنّ لهذا النحو من الدخول تحقّقا ومصداقا، وهو دخول الصورة المحسوسة المتقدّرة بالمقدار الكبير بنحو الوجود الظلّي في الحاسّة، أي مادّتها الموصوفة بالمقدار الصغير بنحو الوجود العيني الخالية في نفسها عن المقدار مطلقا، ولا استحالة فيه ۱ ؛ إذ كون الصورة الكبيرة في الحاسّة بالوجود الظلّي لا يوجب اتّصاف المادّة بالمقدار الكبير، إنّما يوجب الاتّصاف حصولَ المقدار فيها بالوجود العيني .
ولمّا كان منظور السائل ما يشمل هذا النحو من الدخول ولم يكن نظره مقصورا على الوجود العيني، أجاب عليه السلام بقدرته سبحانه عليه .
ويوافق هذا رأي المشّائين في كون الإبصار بانطباع صورة المبصَر في الحاسّة، ووجودِها فيها وجودا ظلّيّا، ولذا لم يراجع بعد ما سمع الجواب ولم يقل: مرادي الدخول بالوجود العيني، والدخول في الحاسّة ليس من هذا القبيل .
ومثل هذه الرواية ۲ ما روي عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: جاء رجل
إلى الرضا عليه السلام ، فقال: هل يقدر ربّك أن يجعل السماوات والأرض وما بينهما في بيضة؟ قال: «نعم»، في أصغر من البيضة، قد جعلها في عينك وهي أقلَّ من البيضة؛ لأنّك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما، ولو شاء أعماك عنها» . ۳
وأمّا ما روي عن عمر بن اُذنية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: «قيل لأمير المؤمنين عليه السلام : هل يقدر ربّك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغر الدنيا و يكبر البيضة؟ قال: إنّ اللّه لا يُنسب إلى العجز ۴ والذي سألتني لا يكون». ۵ فمعناه أنّ اللّه تعالى لا يعجز عن شيء، أي كلّ ما له معنى محصَّل فهو سبحانه لا يعجز عنه .
ولمّا كان غرض السائل السؤالَ عن الدخول بحسب الوجود العيني، وكان مرجع سؤاله إلى كونه كبيرا صغيرا معا وهذا لفظ ليس له معنى محصّلٌ ، قال: «والذي سألتني» أي أردتَ بسؤالك «لا يكون» أي لا يصحّ نسبة الكون إليه حتّى يجري فيه العجز .
وما رواه أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: أيقدر اللّه أن يدخل الأرض في بيضة ولا تصغر ۶ الأرض ولا تكبر البيضة؟ فقال له: ويلك إنّ اللّه لا يوصف بعجز ، ومَن أقدرُ ممّن يُلطّف الأرض ويعظّم البيضة» ۷ أيضا معناه مثل معنى رواية عمر بن اُذينة.
وقوله: «ومن أقدرُ ممّن يلطّف الأرض ويعظم البيضة» إشارة إلى أنّ المتصوّر المحصّل المعنى من دخول الكبير في الصغير صيرورة الكبير صغيرا أو بالعكس، وهذا المتصوّر مقدور له سبحانه، وهو قادر على كلّ ما لا يستحيل .
1.في حاشية «ت ، م» : والملخّص أنّ توهّم الاستحالة لحصول الضدّين في محلّ واحد أو اتّصافه بالضدّين ساقط لحصول الصورة الكبيرة في المادّة الخالية في نفسها عن المقدار بحسب مرتبتها في نفسها و حصول مقدار فيها بحسب تقوّمها بصورتها، فلم يحصلا لمحلّ واحد حقيقة ولعدم ترتّب الاتّصاف على الوجود الظلّي، فلم يلزم الاتّصاف بالضدّين (منه دام ظلّه العالي) .
2.في حاشية «ت ، م» : هذه الروايات الثلاث أوردها الشيخ أبو جعفر ابن بابويه في كتاب التوحيد بإسناده (منه دام ظلّه العالي) . راجع : التوحيد ، ص ۱۲۵ ، باب القدرة ، ح ۱ و ۴ ؛ وص ۲۵۰ ، باب الردّ على الثنوية والزنادقة ، ح ۳.
3.التوحيد، ص ۱۳۰ ، باب القدرة، ح ۱۱ ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج ۴، ص ۱۴۳، باب القدرة والإرادة ، ح ۱۲ .
4.في «ل» : «إليه العجز» .
5.التوحيد، ص ۱۳۰، باب القدرة، ح ۹ ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج ۴، ص ۱۴۳، باب القدرة والإرادة، ح ۱۰ .
6.في «خ» : «لا يصغر» .
7.التوحيد، ص ۱۳۰ ، باب القدرة، ح ۱۰؛ ومثله في التوحيد، ص ۱۲۷، ح ۵ ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج ۴، ص ۱۴۳ ، باب القدرة والإرادة، ح ۱۱ .