33
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

لا تَضبطُه العقولُ ، ولا تَبلغُهُ الأوهامُ ، ولا تُدركه الأبصارُ ، ولا يُحيط به مقدارٌ ، عجزَتْ دونه العبارةُ ، وكلَّتْ دونه الأبصارُ ، وضلَّ فيه تصاريفُ الصفاتِ .
احتجب بغير حجابٍ محجوبٍ ، واستتر بغير سِتْر مستور ، عُرِفَ بغير رؤية ، ووُصِفَ بغير صورةٍ ، ونُعِتَ بغير جسمٍ ، لا إله إلاّ اللّه الكبير المتعال ، ضلَّت الأوهام عن بلوغ كُنهه ، وذَهلت العقولُ أن تبلغَ غايةَ نهايتِهِ ، لا يبلُغه حدُّ وَهْمٍ ، ولا يُدركه نفاذُ بَصَرٍ ، وهو السميع العليم ، احتجَّ على خلقه برُسُله ، وأوضحَ الأُمورَ بدلائله ، وابتعَثَ الرسلَ مبشّرين ومنذرين ؛ ليَهْلِك من هَلكَ عن بيّنة ويَحيا مَن حَيَّ عن بيّنة ، وليَعْقِلَ العبادُ عن ربّهم ما جهلوه ، فيعرفوه بربوبيّته بعد ما أنكروه ، ويوحِّدوه بالإلهيّة بعد ما أضدّوه .
أحمدُه حمدا يَشفِي النفوسَ ، ويبلُغُ رضاه ، ويؤدّي شكْرَ ما وصلَ إلينا ، من سوابغ النعماء ، وجزيلِ الآلاء ، وجميلِ البلاء .
وأشهدُ أن لا إله إلاّ اللّه وحدَه لا شريك له ، إلها واحدا أحدا صمدا لم يتّخذْ صاحبةً قوله: (لا تضبطه العقول).

أي تبلغ ۱ العقول إدراكَه بنحو قاصر عن الإحاطة به وضبطه، فهو غير محدود و غير منضبط الحقيقة، ولكنّه مصدَّق بوجوده منفيّا عنه جميعُ ما يحيط به العقول والأفهام.
(ولا تبلغه الأوهام) حيث يتعالى عن أن يُحَسَّ به (ولا يدركه الأبصار) حيث لا صورة له ولا مثال، ولا يتشكّل بشكل، ولا يحاط بحدّ، ولا يتقدّر بمقدار.

قوله: (احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور).

المحجوب والمستور إمّا بمعنى الحاجب والساتر والحجاب حاجب والستر ساتر. وإمّا بمعنى المفعول؛ فإنّ الحجاب والستر إذا لم يكن مستورَ الباطن ومحجوبَه، ۲ لم يكن حاجبا ساترا.

1.في «ل»: «لا تبلغ».

2.في حاشية «ت»: أي إن لم يكن مستور البطن كالبسيط الصرف لم يكن حاجبا وساترا .


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
32

المرغوبِ إليه فيما عنده ، النافذِ أمرُه في جميع خلقه ؛ علا فاستعلى ، ودَنا فتعالى ، وارتفَعَ فوقَ كلِّ مَنظرٍ ؛ الذي لا بدءَ لأوّليّته ، ولا غايةَ لأزليّته ، القائم قبل الأشياء ، والدائم الذي به قوامُها ، والقاهر الذي لا يؤوده حِفظُها ، والقادر الذي بعظمته تفرَّدَ بالملكوت ، وبقدرته توحَّدَ بالجبروت ، وبحكمته أظهرَ حُججَه على خلقه .
اخترع الأشياء إنشاءً ، وابتدعها ابتداءً بقدرته وحكمته ، لا من شيءٍ فيبطلَ الاختراعُ ، ولا لعلّة فلا يصحّ الابتداء . خلقَ ما شاء كيف شاء متوحّدا بذلك لإظهار حكمته ، وحقيقة ربوبيّته .

قوله: (علا فاستعلى).

الاستعلاء استفعال من العلوّ بمعنى فَعَل . وعن عبد القاهر أنّ المعنى في لفظ استفعل يتغيّر قليلاً، وأنّ «استقرّ» و «استعلى» أقوى من «قرّ» و «علا»؛ فالتفريع في قوله: «فاستعلى» على تقدير المغايرة يصحّ على كونهما متعدّيين أو لازمين، وعلى كونه بمعنى فَعَل بلا مغايرة يبنى على كون أحدهما متعدّيا والآخر لازما، والأخير أولى باللزوم.

قوله: (تفرّد بالملكوت).

الملكوت فَعَلوتٌ من المُلك كالرَغَبوت من الرغبة، والرَهَبوت من الرهبة، والرحموت من الرحمة، والجبروت من الجبر. وعالم الملكوت يطلق على المجرّدات والمفارِقات، كما أنّ عالم المُلك يطلق على الجسمانيّات والمقارِنات.

قوله: (اخترع الأشياء).

الاختراع والابتداع متقاربان في المعنى. وكثر استعمال الاختراع في الإيجاد لا بالأخذ من شيء يماثل الموجَد ۱
ويشابهه، والابتداعِ في الإيجاد لا لمادّة وعلّة، فقوله: (لا من شيء) أي لا بالأخذ من شيء (فيبطلَ الاختراع، ولا لعلّة) أي لمادّة، فيبطل الابتداع.

1.في «ل»: «الموجود» .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    المساعدون :
    النائینی، رفیع الدین محمد بن حیدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 133804
الصفحه من 672
طباعه  ارسل الي