المرغوبِ إليه فيما عنده ، النافذِ أمرُه في جميع خلقه ؛ علا فاستعلى ، ودَنا فتعالى ، وارتفَعَ فوقَ كلِّ مَنظرٍ ؛ الذي لا بدءَ لأوّليّته ، ولا غايةَ لأزليّته ، القائم قبل الأشياء ، والدائم الذي به قوامُها ، والقاهر الذي لا يؤوده حِفظُها ، والقادر الذي بعظمته تفرَّدَ بالملكوت ، وبقدرته توحَّدَ بالجبروت ، وبحكمته أظهرَ حُججَه على خلقه .
اخترع الأشياء إنشاءً ، وابتدعها ابتداءً بقدرته وحكمته ، لا من شيءٍ فيبطلَ الاختراعُ ، ولا لعلّة فلا يصحّ الابتداء . خلقَ ما شاء كيف شاء متوحّدا بذلك لإظهار حكمته ، وحقيقة ربوبيّته .
قوله: (علا فاستعلى).
الاستعلاء استفعال من العلوّ بمعنى فَعَل . وعن عبد القاهر أنّ المعنى في لفظ استفعل يتغيّر قليلاً، وأنّ «استقرّ» و «استعلى» أقوى من «قرّ» و «علا»؛ فالتفريع في قوله: «فاستعلى» على تقدير المغايرة يصحّ على كونهما متعدّيين أو لازمين، وعلى كونه بمعنى فَعَل بلا مغايرة يبنى على كون أحدهما متعدّيا والآخر لازما، والأخير أولى باللزوم.
قوله: (تفرّد بالملكوت).
الملكوت فَعَلوتٌ من المُلك كالرَغَبوت من الرغبة، والرَهَبوت من الرهبة، والرحموت من الرحمة، والجبروت من الجبر. وعالم الملكوت يطلق على المجرّدات والمفارِقات، كما أنّ عالم المُلك يطلق على الجسمانيّات والمقارِنات.
قوله: (اخترع الأشياء).
الاختراع والابتداع متقاربان في المعنى. وكثر استعمال الاختراع في الإيجاد لا بالأخذ من شيء يماثل الموجَد ۱
ويشابهه، والابتداعِ في الإيجاد لا لمادّة وعلّة، فقوله: (لا من شيء) أي لا بالأخذ من شيء (فيبطلَ الاختراع، ولا لعلّة) أي لمادّة، فيبطل الابتداع.