35
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

كلَّما مضى منهم إمامٌ ، نَصَبَ لخَلْقه من عقبه إماما بيّنا ، وهاديا نيّرا ، وإماما قيّما ، يهدون بالحقّ وبه يعدلون . حُجَجُ اللّه ودُعاتُه ورُعاتُه على خَلْقه ، يدين بهَدْيِهم العبادُ ، وتَستهلُّ بنورهم البلادُ .
جعلهم اللّه ُ حياةً للأنام ، ومصابيحَ للظلام ، ومفاتيحَ للكلام ، ودعائمَ للإسلام . وجعل نظامَ طاعته وتمامَ فَرْضه التسليمَ لهم فيما عُلِمَ ، والردَّ إليهم فيما جُهِلَ ، وحَظرَ على غيرهم التهجّمَ على القول بما يجهلون ، ومَنَعَهم جَحْدَ ما لا يعلمون ؛ لما أرادَ تبارك وتعالى من استنقاذ من شاء من خَلْقه ، من ملمّات الظُلَم ، ومَغْشِيّاتِ البُهَمِ . وصلّى اللّه ُ على محمّد وأهلِ بيته الأخيار الذين أذهَبَ اللّه عنهم الرجسَ وطَهَّرَهم تطهيرا .
أمّا بعد ، فقد فَهِمتُ يا أخي ما شكوتَ من اصطلاح أهل دَهْرِنا على الجَهالةِ وتَوازُرِهم وسعيِهم في عِمارة طُرُقِها ، ومُبايَنَتِهم العلمَ وأهلَه ، حتّى كادَ العلمُ معهم أن يَأزِرَ كلُّه

قوله: (أن يأزر كلّه).

الأزْر ـ بتقدّم ۱ المنقوطة على غيرها ـ جاء بمعنى القوّة، وبمعنى الضعف، و هاهنا ۲ بمعنى الضعف.
ويحتمل أن يكون «يأرز» بتقدّم ۳ غير المنقوطة عليها، وسيجيء في باب الغيبة: «فيأرز العلم كما يأرز الحيّة في جُحْرها». ۴
وقال الجوهري في معنى «إنّ الإسلام ليأرز إلى المدينة كما يأرز الحيّة إلى جُحْرها» ۵ : أي ينضمّ إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها. ۶

1.في «م»: «بتقديم».

2.في «ل» : «هنا» .

3.في «ت»: «بتقديم» .

4.الكافي ، ج ۱، ص ۳۴۰، باب في الغيبة، ح ۱۷ .

5.عوالي اللآلئ ، ج ۱، ص ۴۲۹، ح ۱۲۲ وفيه: «إنّ الإيمان» بدل «إنّ الإسلام»؛ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد، ج ۹، ص ۱۶۵؛ و ج ۱۹، ص ۱۱۸ .

6.الصحاح ، ج ۳ ، ص ۸۶۴ (أرز) .


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
34

ولا ولدا ، وأشهدُ أنّ محمّدا صلى الله عليه و آله عبدٌ انتجبه ، ورسولٌ ابتعثه ، على حين فترةٍ من الرسل ، وطولِ هَجْعةٍ من الأُمم وانبساطٍ من الجهل ، واعتراضٍ من الفتنة، وانتقاضٍ من المبْرَم ، وعمىً عن الحقّ ، واعتسافٍ من الجور ، وامتحاقٍ من الدين .
وأنزلَ إليه الكتابَ ، فيه البيانُ والتبيانُ « قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ » قد بَيَّنَه للناس ونَهَجَه ، بعلمٍ قد فصّله ، ودينٍ قد أوضحه ، وفرائضَ قد أوجبها ، واُمورٍ قد كشفها لخلْقه وأعلنها ، فيها دَلالةٌ إلى النجاة ، ومعالِمُ تدعو إلى هُداه .
فبلَّغَ صلى الله عليه و آله ما اُرسلَ به ، وصدع بما اُمر ، وأدّى ما حُمِّلَ من أثقال النبوّة ، وصبر لربّه ، وجاهَدَ في سبيله ، ونصح لأُمّته ، ودعاهم إلى النجاة ، وحَثَّهم على الذكر ، ودَلَّهم على سبيل الهدى من بعده ، بمناهجَ ودَواعٍ أسَّسَ للعباد أساسَها ، ومنائر رفع لهم أعلامَها ، لكي لا يَضِلّوا من بعده ، وكان بهم رؤوفا رحيما .
فلمّا انقضتْ مدّتُهُ ، واستكملتْ أيّامُه ، توفّاه اللّه وقَبَضَه إليه ، وهو عند اللّه مرضيٌّ عملُه ، وافرٌ حظُّه ، عظيمٌ خطرُهُ ، فمضى صلى الله عليه و آله وخلَّفَ في اُمّته كتابَ اللّه ، ووصيَّه أميرَ المؤمنين وإمامَ المتّقين صلوات اللّه عليه ، صاحبَيْن مؤتلفَيْن ، يَشهدُ كلُّ واحد منهما لصاحبه بالتصديق ، ينطقُ الإمامُ عن اللّه في الكتاب بما أوجب اللّه فيه على العباد ، من طاعته ، وطاعةِ الإمام وولايته ، وواجبِ حقّه ، الذي أراد من استكمال دينه ، وإظهار أمره ، والاحتجاجِ بحُجَجه ، والاستضاءةِ بنوره ، في معادن أهل صفوته ومُصْطَفَيْ أهلِ خِيرته .
فأوضَحَ اللّه ُ بأئمّة الهدى من أهل بيت نبيّنا صلى الله عليه و آله عن دينه ، وأبلجَ بهم عن سبيل مناهجه ؛ وفتحَ بهم عن باطن ينابيع عِلْمه ، وجعلهم مسالكَ لمعرفته ، ومعالمَ لدينه ، وحُجّابا بينه وبين خلقه ؛ والبابَ المؤدّي إلى معرفة حقّه ، وأطْلَعَهم على المكنون من غَيب سِرّه .

قوله: (ومعالم تدعو إلى هداه).

الهاء في «هداه» إمّا ضمير راجع إليه سبحانه ۱ اُضيف إليه الهدى. وإمّا زائدة في الوقف.

1.في «م»: «إلى اللّه ».

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    المساعدون :
    النائینی، رفیع الدین محمد بن حیدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 133302
الصفحه من 672
طباعه  ارسل الي