495
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.وقَدَرٍ» . فقال له الشيخ : عند اللّه أحْتَسِبُ عَنائي يا أمير المؤمنين؟ فقال له : «مَهْ يا شيخُ ، فواللّه لقد عَظَّمَ اللّه ُ الأجرَ في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي مقامِكم وأنتم مقيمون ، وفي مُنصرفِكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيءٍ من حالاتكم مُكرَهين ولا إليه مُضطرّين» .
فقال له الشيخ : وكيف لم نَكُنْ في شيء من حالاتنا مُكرَهين ولا إليه مُضطرّينَ وكان بالقضاء والقَدَرِ مَسيرُنا ومُنقلبُنا ومُنصَرَفُنا؟ فقال له: «وتَظُنُ أنّه كانَ قضاءً حتما وقدرا لازما؟

وما عملوه في مسيرهم لجهاد أهل الشام: هل كان بقضاء اللّه وقَدَره؟ والظاهر من القضاء ـ إذا استُعمل مع القَدَر ـ الإيجابُ الذي منه سبحانه في طريق الإيجاد، لا الإيجابُ التكليفي من الطلب الحتمي للفعل كما في الأمر، أو للكفّ عن الفعل، أو تركه كما في النهي، ولا الإعلام، فالأولى أن يُحمل القضاء في هذا الحديث على ذلك الإيجاب، لا على أحد من الأخيرين، فلنحمله عليه كما هو الظاهر من كلام السائل؛ حيث قرنه بالقَدَر، وحيث استفهم عن احتسابه عند اللّه بعَنائه وتعبه ومشقّته في إتيانه بتلك الأفعال والأعمال استفهاما إنكاريّا.
وحيث راجع في السؤال بعد الردّ عليه في الجواب بقوله عليه السلام : (مَهْ يا شيخ) إلى قوله: (ولا إليه مضطرّين) فأعاد ۱ السؤالَ بقوله: (وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرّين، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا).
وحينئذٍ فتقرير جوابه عليه السلام أنّ القضاء والإيجاب في طريق الإيجاد على قسمين:
أحدهما: الإيجاب بمدخليّة قدرة العبد وإرادته، فلا إيجاب منه سابقا عليهما، وإنّما المؤدّي إلى الإكراه والاضطرار الإيجابُ السابق عليهما لا الإيجاب بهما.
والثاني: الإيجاب لا بمدخليّة القدرة والإرادة من العبد، وهو المراد بالقضاء الحتم والقَدَرِ اللازم. وهذا القسم من الإيجاب هو المؤدّي إلى الإكراه والاضطرار، فقول

1.في «ل»: «وأعاد».


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
494

۲.عدّة من أصحابنا ، عن أحمدَ بن محمّد، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمير ، عن محمّد بن حكيم ، عن محمّد بن مسلم ، قال :سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول : «إنّ في بعض ما أنْزَلَ اللّه ُ مِنْ كُتُبه أنّي أنا اللّه ُ لا إلهَ إلاّ أنا ، خَلقتُ الخيرَ وخَلقتُ الشرَّ ، فطوبى لمن أجْرَيْتُ على يديه الخيرَ ، وويلٌ لمن أجْرَيْتُ على يديه الشرَّ ، وويلٌ لمن يقول : كيف ذا وكيف ذا».

۳.عليُّ بن إبراهيمَ ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونسَ ، عن بَكّار بن كَرْدَمٍ ، عن مُفضّل بن عُمَرَ ، وعبد المؤمن الأنصاريّ ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :«قال اللّه عزّ وجلّ : أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ، خالقُ الخير والشرّ ، فطوبى لمن أجْرَيْتُ على يديه الخيرَ ، وويلٌ لمن أجْرَيْتُ على يديه الشرّ ، وويلٌ لمن يقول : كيف ذا وكيف هذا» . قال يونس : يعني من يُنْكِرُ هذا الأمرَ بتفقُّهٍ فيه .

باب الجبر والقَدَر والأمر بين الأمرين

۱.عليُّ بن محمّد، عن سهل بن زياد وإسحاق بن محمّد وغيرهما ، رَفَعوه ، قال :كان أمير المؤمنين عليه السلام جالسا بالكوفة بعد مُنْصَرِفِه من صفّين إذ أقْبَلَ شيخٌ فَجَثا بين يَدَيْه ، ثمَّ قال له : يا أميرَ المؤمنين ، أخبِرْنا عن مسيرنا إلى أهل الشام ، أبقضاءٍ من اللّه وقَدَرٍ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام «أجَلْ يا شيخُ ، ما عَلَوْتُم تَلْعَةً ولا هَبَطْتُم بَطْنَ وادٍ إلاّ بقضاء من اللّه

والحديثان والآخَران كهذا الحديث إلاّ أنّه زاد فيهما الوعيدَ على المنكر لما قاله والمتشكّكِ فيه.

باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين

قوله: (إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه... ) .
«جثا» ـ كدعا ورمى جُثُّوا وجُثّيا بضمّهما ـ : جلس على ركبتيه، أو قام على أطراف أصابعه.
وقوله: (ما علوتم تَلْعَةً) .
«التلعة» مجرى الماء من أعلى الوادي. و «بطن الوادي»: أسفلُه، والمطمئنّ منه.
وتلخيص ما في الحديث ـ من سؤال السائل وجوابِه عليه السلام ـ أنّه سأل عن كون أفعالهم

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    المساعدون :
    النائینی، رفیع الدین محمد بن حیدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 106916
الصفحه من 672
طباعه  ارسل الي