511
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.فيهم ، إنّ اللّه لم يُجْبِرْ أحدا على معصيته ، ولا أرادَ ـ إرادةَ حَتْمٍ ـ الكفرَ من أحدٍ ، ولكن حينَ كَفَرَ كانَ في إرادة اللّه أن يَكْفُرَ ، وهم في إرادةِ اللّه وفي عِلْمِه أن لا يَصيروا إلى شيء من الخير» . قلتُ : أرادَ منهم أن يكفروا؟ قال : «ليس هكذا أقولُ ، ولكنّي أقول : عَلِمَ أنّهم سَيَكْفُرونَ ، فأرادَ الكفرَ لعِلْمِه فيهم ، وليست هي إرادة حَتْمٍ ، إنّما هي إرادةُ اختيارٍ» .

على وفق إرادة العبد من اللّه سبحانه، وإفاضة الوجود منه سبحانه عليه بمشيّته وإرادته وقضائه وقَدَره (إنّ اللّه لم يُجبر أحدا على معصية) لصدورها عنه بقدرته وإرادته (ولا أرادَ ـ إرادةَ حتم ـ الكفر من أحد) حتّى يقع الكفر بلا مدخليّة إرادة العبد، إنّما أراد وقوع الكفر عند إرادة العبد إيّاه وبها وبقدرته، فيتعلّق هذه الإرادة منه سبحانه بالعَرَض بالكفر وتحقّقه، فحين كفر بإرادته كان في إرادة اللّه أن يكفر، وهم في إرادة اللّه وفي علمه أن لا يصيروا إلى شيء من الخير بإرادتهم.
وقوله: (أراد منهم أن يكفروا؟) أي شاء منهم أن يكفروا، وذلك مقصوده منهم.
ولمّا كان هذا الكلام من السائل إنّما نشأ من توهّمه من قوله: «كان في إرادة اللّه أن يكفروا» أنّ الكفر مراده ومطلوبه منهم، أجابه عليه السلام (ليس هكذا أقول) ولم يكن مرادي من قولي هذا، ولكنّ المراد من قولي وما أقوله، أنّ اللّه أراد وقوعَ مرادهم، وعلم أنّ إرادتهم تتعلّق بالكفر، فتعلّق إرادته بكفرهم من حيث تعلّق ارادته بوقوع ما يريدون، ومن حيث علمه بتعلّق إرادتهم به، وهذا لا يستلزم كون الكفر مقصودَه ومطلوبه منهم؛ فإنّ دخوله في القصد بالعَرَض لا بالذات، وتعلّق الإراده بالكفر بالعَرَض ليست موجبة ۱ للفعل إيجابا يخرجه عن الاختيار؛ لأنّ هذا التعلُّق من جهة إرادتهم واختيارهم، وما يتعلّق بشيء من جهة الإرادة والاختيار لا يخرجه عن الاختيار.

1.كذا في النسخ، والأولى: «ليس موجبا».


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
510

۰.مجبورينَ كانوا مَعذورين» ، قال : فَفَوَّضَ إليهم ، قال : «لا» . قالَ : فماهم؟ قال : «عَلِمَ منهم فعلاً فَجَعَلَ فيهم آلةَ الفعل ، فإذا فعلوا كانوا مع الفعل مُستطيعينَ» . قال البصريُّ : أشهد أنّه الحقُّ وأنّكم أهلُ بيتِ النبوَّة والرسالة .

۳.محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن سهل بن زياد ؛ وعليُّ بن إبراهيم ، عن أحمدَ بن محمّد؛ ومحمّد بن يحيى ، عن أحمدَ بن محمّد جميعا ، عن عليّ بن الحكم ، عن صالح النيليّ ، قال :سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام : هل للعباد من الاستطاعة شيءٌ؟ قال : فقال لي : «إذا فعلوا الفعلَ كانوا مستطيعينَ بالاستطاعة التي جَعَلَها اللّه ُ فيهم» . قالَ : قلتُ وما هي؟ قال : «الآلةُ مثلُ الزاني إذا زنى كانَ مُستطيعا للزنى حين للزنى ، ولو أنَّه تَرَكَ الزنى ولم يَزْنِ كانَ مستطيعا لتَرْكِه إذا ترك» ، قال : ثمّ قال : «ليس له من الاستطاعة قبلَ الفعلِ قليلٌ ولا كثيرٌ ، ولكن من الفعلِ والتركِ كانَ مُستطيعا» . قلتُ : فعلى ماذا يُعَذِّبُهُ؟ قال : «بالحجّةِ البالغةِ والآلةِ التي رَكَّبَ

وقوله: (لو كانوا مجبورين كانوا معذورين) لقبح المؤاخذة على ما ليس باختياريّ.
وقوله: (ففوّض إليهم؟).
يحتمل أن يكون المراد به التفويضَ بمعنى عدم الحصر بالأمر والنهي بعد القدرة والاختيار.
ويحتمل أن يكون المراد به التفويضَ بمعنى عدم مدخليّة المفوِّض في الإيجاد واستبداد المفوَّض إليه واستقلاله به. وكلاًّ ۱ منهما غير لازم من نفي الجبر، وما وقع في الجواب بالأخير أنسبُ؛ حيث قال عليه السلام : (علم منهم فعلاً، فجعل فيهم آلة الفعل) أي قدرتَهم وإرادتَهم وقواهم وجوارحَهم التي من أسباب وجود ذلك الفعل (فإذا فعلوا كانوا مع الفعل) وفي وقته (مستطيعين).
قوله: (بالحجّة البالغة والآلة التي ركّب فيهم) من الأمر والنهي والإقدار على الفعل والترك، والقوى والجوارح الصائرة إليه بإرادته ، وإن كان إعطاء وجود الفعل

1.كذا في النسخ، والصحيح: «كلٌّ» أو «كلاهما».

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    المساعدون :
    النائینی، رفیع الدین محمد بن حیدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 131382
الصفحه من 672
طباعه  ارسل الي