531
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.الحجّ يَستقرُّ أيّاما في جَبَلٍ في طرف الحرم في فازَةٍ له مضروبَةٍ ـ قال : فأخرَجَ أبو عبد اللّه عليه السلام رأسَه من فازته ، فإذا هو ببعير يَخُبُّ ، فقال : «هشامٌ ورَبِّ الكعبة» ، قالَ : فظننّا أنَّ هِشاما رجلٌ من وُلْد عقيل كانَ شديدَ المحبّة له .
قال فوردَ هشام بن الحكم وهو أوَّلُ ما اخْتَطَّتْ لحيتُه ، وليس فينا إلاّ مَنْ هو أكبرُ سِنّا منه ، قال : فوسَّع له أبو عبد اللّه عليه السلام وقال : «ناصرُنا بقلبه ولسانه ويده» ثمّ قال : «يا حُمران ، كَلِّم الرجلَ» فكلَّمَه ، فظهر عليه حُمرانُ ، ثمّ قال : «يا طاقِيُّ ، كَلِّمْهُ» فكلَّمَه ، فظهر عليه الأحولُ ، ثمّ قال : «يا هشام بن سالم ، كَلِّمْه» فتعارفا ، ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام لقيسٍ الماصِرِ : «كَلِّمْه» فكلَّمَه ، فأقبل أبو عبد اللّه عليه السلام يَضْحَكُ من كلامهما ممّا قد أصابَ الشاميَّ .
فقال للشاميّ : «كَلِّمْ هذا الغلام» . يعني هشام بن الحكم ، فقالَ : نعم ، فقالَ لهشام : يا غلام ، سَلْني في إمامة هذا ، فغَضِبَ هشامٌ حتّى ارتَعَدَ ، ثمّ قال للشاميّ : يا هذا ، أربُّك أنْظَرُ لخَلْقِه أم خَلْقُه لأنفسهم؟ فقال الشاميُّ : بل رَبّي أنظَرُ لخَلْقه ، قال : ففعَل بنظره لهم ما ذا؟ قال : أقامَ لهم حجّةً ودليلاً كيلا يَتشتّتوا أو يَختلفوا ، يَتَألَّفهم ويُقيمُ أوَدَهم ويُخبِرُهم بفَرضِ

قوله: (فإذا هو ببعير يخبّ) أي يسرع ويعدو (فقال: هشامٌ وربِّ الكعبة).
وفي هذا القول دلالة على كثرة سروره عليه السلام بقدومه، وشدّة محبّته عليه السلام له، كفى به وبقوله عليه السلام : (ناصرنا بقلبه ولسانه ويده) عزّا ومكرمةً ورِفعةَ شأن له، وشرفا وفضلاً لما نال به تلك المنزلةَ.
وقوله: (ثمّ قال: ياهشام بن سالم كلّمه، فتعارفا) أي تكالما بما حصل به التعارف بينهما، ومعرفةُ كلّ واحد بالآخر وبكلامه بلا غلبة لأحدهما على الآخر.
وقوله: (أربّك أنظر لخلقه) أي أكثر إعانةً لخلقه (أم خلقه لأنفسهم؟) ولمّا قال الشامي: (بل ربّي) سأله عمّا فعل بإعانته لهم، فأجاب بأنّه (أقام لهم حجّةً ودليلاً كي لا يتفرّقوا ويختلفوا ۱ ، يتألّفهم) ذلك الدليل والحجّةُ ويزيل اعوجاجهم وانعطافهم

1.في الكافي المطبوع: «كي لا يتشتّتوا أو يختلفوا».


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
530

۰.فقال : «يا يونس بن يعقوب ، هذا قد خَصَمَ نفسَه قبل أن يتكلّمَ» ، ثمَّ قالَ : «يا يونسَ ، لو كنتَ تُحسِنُ الكلامَ كَلَّمْتَهُ» . قال يونس : فيا لها من حَسرةٍ ، فقلتُ : جُعِلتُ فداك ، إنّي سمعتُك تنهى عن الكلام وتقول : ويلٌ لأصحاب الكلام يقولون : هذا ينقادُ وهذا لا ينقادُ ، وهذا ينساقُ وهذا لا ينساقُ ، وهذا نَعقِلُه وهذا لا نَعقِلُه ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إنّما قلتُ : فويلٌ لهم إن تركوا ما أقولُ وذهبوا إلى ما يريدون».
ثمَّ قالَ لي : «اُخْرُجْ إلى الباب ، فانظُرْ من تَرى من المتكلّمين فَأدْخِلْه؟» قال : فأدخَلْتُ حُمرانَ بن أعينَ وكانَ يُحسِنُ الكلامَ ، وأدخلتُ الأحولَ وكان يُحسِنُ الكلامَ ، وأدخلتُ هشام بن سالم وكان يُحسِنُ الكلامَ ، وأدخلتُ قيسَ الماصرَ وكان عندي أحسَنَهم كلاما ، وكانَ قد تَعَلَّمَ الكلامَ من عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، فلمّا استقرَّ بنا المجلسُ ـ وكانَ أبو عبد اللّه عليه السلام قبل

نفي ما قاله من قوله: «ومن عندي» ولذا ۱ قال عليه السلام : (هذا خاصم ۲ نفسه قبل أن يتكلّم).
وقوله عليه السلام : (إنّما قلت: فويل لهم إن تركوا ما أقول) أي ما ثبت من الشارع في الدين، ووجب الأخذ به، وذهبوا إلى خلافه من الباطل الذي يريدونه، كمتكلّمي العامّة من المرجئة والقَدَريّة وأشباههم.
وفيه دلالة على حسن التكلّم والاشتغال بتحصيل الكلام ممّن كان ميسّرا له بتوفيق اللّه سبحانه باسترسال طبيعته، واشتغال قريحته، وسلامته عن اللجاج والعناد والانحراف الناشئ عن الحسد والرغبة إلى الفَساد.
ويدلّ قول يونس بن يعقوب في قيس بن الماصر: «وكان قد تعلّم الكلام من عليّ بن الحسين عليهماالسلام» [ على] أنّهم عليهم السلامكانوا يعلّمون الكلام لأصحابهم، وكفى به شرفا وفضلاً لهذه الصناعة على ما لم يعلّموه من الصنائع وما ليس ۳ من العلوم بصناعة.

1.في «خ، ل»: «ولهذا».

2.في الكافي المطبوع: «خصم».

3.في «ل»: «ومما ليس».

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    المساعدون :
    النائینی، رفیع الدین محمد بن حیدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 132495
الصفحه من 672
طباعه  ارسل الي