55
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.يَستَوفيَ منها رزقَه، ومن طَلَبَ الدنيا طَلَبَتْه الآخرةُ، فيأتيه الموتُ، فيُفْسِدُعليه دنياهُ وآخرتَهُ.
يا هشام ، من أرادَ الغِنى بلا مالٍ ، وراحة القلبِ من الحَسَد ، والسلامةَ في الدين ، فَلْيتضرَّعْ إلى اللّه عزّ وجلّ في مسألته بأن يُكَمِّلَ عقلَه ، فمن عَقَلَ قَنِعَ بما يكفيه ، ومن قَنِعَ بما يكفيه استغنى ، ومن لم يَقْنَعْ بما يكفيه لم يُدْرِك الغنى أبدا .
يا هشام ، إنّ اللّه َ حكى عن قومٍ صالحينَ أنّهم قالوا : « رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ » حين علموا أنّ القلوبَ تَزيغُ وتَعودُ إلى عماها ورَداها .
إنَّه لم يَخَفِ اللّه َ مَنْ لم يَعْقِلْ عن اللّه ، ومن لم يَعْقِلْ عن اللّه لم يَعْقِدْ قلبَه على معرفةٍ

من الطوارئ التي ليس من حقّ الدنيا في ذاتها أن تكون موصوفة بها، فلو أتى بالعاطف لفاتت تلك الدلالة . وأمّا الآخرة فلمّا كان الأمران ـ أي الطالبيّة والمطلوبيّه ـ كلاهما ممّا تستحقها وتتّصف بها في ذاتها فأتى بالعاطف.
وإن حمل قوله: «الدنيا طالبة مطلوبة» على تعدّد الخبر، ففي ترك العاطف دلالة على عدم ارتباط طالبيّتها بمطلوبيّتها ۱ ، وأمّا في الآخرة فالأمران فيها مرتبطان لا يفارق أحدهما الآخر، ۲ ولذا أتى بالواو الدالّة على التقارن في أصل الثبوت لها.

قوله: (إنّه لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه ) إلى آخره.

لعلّ المراد أنّه من لم يكن صالحا لم يخف اللّه ؛ لأنّه من لم يكن صالحا لم يكن قوله مصدّقا لفعله ، وسرّه موافقا لعلانيته؛ ومن لم يكن كذلك لم يكن ذا معرفة ثابتة ۳ يجد حقيقتها في قلبه؛ لأنّ اللّه تبارك و تعالى جعل الظاهر دليلاً على الباطن، فالفعل ظاهر ۴ يدلّ على الاعتقاد الذي هو من الخفايا والسرائر ويكشف عنه،

1.في حاشية «ت»: يعني إذا طلبته الدنيا استوفى منها رزقه ولا يحتاج إلى أن يطلبها .

2.في حاشية «ت»: يعني إذا طلبته الآخرة أدركه الموت، وإذا حصل له العلم بذلك ينبغي أن يطلبها لتهيّأ أسبابها، فلا يفارق أحدهما عن الآخر، فيلائم التقارن العطف بالواو.

3.في «ل» : «معرفة باللّه » .

4.في «ل»: «ظاهرا» .


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
54

۰.يا هشام ، نُصِبَ الحقُّ لطاعة اللّه ، ولا نَجاةَ إلاّ بالطاعة ، والطاعةُ بالعلم ، والعلمُ بالتعلّم ، والتعلُّمُ بالعقل يُعْتَقَدُ ، ولا عِلْمَ إلاّ من عالِمٍ ربّانيٍّ ، ومعرفةُ العلمِ بالعقلِ .
يا هشام ، قليلُ العملِ من العالم مقبولٌ مُضاعَفٌ ، وكثيرُ العملِ من أهل الهوى والجهلِ مَردودٌ .
يا هشام ، إنَّ العاقلَ رَضِيَ بالدون من الدنيا مع الحكمةِ ، ولم يَرْضَ بالدون من الحكمةِ مع الدنيا ، فلذلك رَبِحَتْ تِجارَتُهُم .
يا هشام ، إنَّ العقلاءَ تَرَكوا فضولَ الدنيا ، فكيف الذنوب ، وتَرْكُ الدنيا من الفَضْلِ ، وتَرْكُ الذنوبِ من الفَرْضِ .
يا هشام ، إنَّ العاقلَ نَظَرَ إلى الدنيا وإلى أهلِها ، فعَلِمَ أنَّها لا تُنالُ إلاّ بالمشقّة ، ونَظَرَ إلى الآخرة ، فَعَلِمَ أنّها لا تُنالُ إلاّ بالمشقّة ، فطَلَبَ بالمشقّة أبقاهما .
يا هشام ، إنَّ العقلاءَ زَهِدوا في الدنيا ورَغِبوا في الآخرة ؛ لأنّهم عَلِموا أنّ الدنيا طالِبةٌ ومطلوبَةٌ ، والآخِرَةَ طالبةٌ ومطلوبةٌ ، فمن طَلَبَ الآخرة ، طَلَبَتْه الدنيا حتّى

باطاعة ، ولا يتحقّق الطاعة إلاّ بالعلم والمعرفة ، ولا يكفي عقول الناس للإحاطة بالعلوم والمعارف من غير تعلّم، بل يحصل لهم المعرفة بالتعلّم، والتعلّم باستعمال العقل في تحصيل الاعتقاد، ثمّ التعلّم ينتهي لا محالة بعالم ربّاني يكون علمه من جانب اللّه تعالى، ومعرفةُ ذلك العلم والعالم به بالعقل، فلا نجاة إلاّ بعقل تحصل ۱ به المعرفة الناشئة عن اللّه إمّا بلا تعلّم، أو بتعلّم من عالم ربّاني يُعرف بالعقل .

قوله: (لأنّهم علموا أنّ الدنيا طالبة مطلوبة) .

لا يبعد أن يقال: الإتيان بالعاطف في الآخرة بقوله: «الآخرة طالبة ومطلوبة» وتركُه في قوله: «الدنيا طالبة مطلوبة» للتنبيه على أنّ الدنيا طالبة موصوفة بالمطلوبيّة، فيكون «الطالبية» ۲ ـ لكونها موصوفةً ـ بمنزلة الذات، فدلَّ على أنّ الدنيا من حقّها في ذاتها أن تكون طالبة، ويكون المطلوبة ۳ ـ لكونها صفةً لاحقة بالطالبة ۴

1.في «خ، ل، م»: «يحصل» .

2.في «خ»: «الطالبة» .

3.في «م»: «المطلوبية» .

4.في «ل، م»: «الطالبية» .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    المساعدون :
    النائینی، رفیع الدین محمد بن حیدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 135494
الصفحه من 672
طباعه  ارسل الي