۰.يَستَوفيَ منها رزقَه، ومن طَلَبَ الدنيا طَلَبَتْه الآخرةُ، فيأتيه الموتُ، فيُفْسِدُعليه دنياهُ وآخرتَهُ.
يا هشام ، من أرادَ الغِنى بلا مالٍ ، وراحة القلبِ من الحَسَد ، والسلامةَ في الدين ، فَلْيتضرَّعْ إلى اللّه عزّ وجلّ في مسألته بأن يُكَمِّلَ عقلَه ، فمن عَقَلَ قَنِعَ بما يكفيه ، ومن قَنِعَ بما يكفيه استغنى ، ومن لم يَقْنَعْ بما يكفيه لم يُدْرِك الغنى أبدا .
يا هشام ، إنّ اللّه َ حكى عن قومٍ صالحينَ أنّهم قالوا : « رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ » حين علموا أنّ القلوبَ تَزيغُ وتَعودُ إلى عماها ورَداها .
إنَّه لم يَخَفِ اللّه َ مَنْ لم يَعْقِلْ عن اللّه ، ومن لم يَعْقِلْ عن اللّه لم يَعْقِدْ قلبَه على معرفةٍ
من الطوارئ التي ليس من حقّ الدنيا في ذاتها أن تكون موصوفة بها، فلو أتى بالعاطف لفاتت تلك الدلالة . وأمّا الآخرة فلمّا كان الأمران ـ أي الطالبيّة والمطلوبيّه ـ كلاهما ممّا تستحقها وتتّصف بها في ذاتها فأتى بالعاطف.
وإن حمل قوله: «الدنيا طالبة مطلوبة» على تعدّد الخبر، ففي ترك العاطف دلالة على عدم ارتباط طالبيّتها بمطلوبيّتها ۱ ، وأمّا في الآخرة فالأمران فيها مرتبطان لا يفارق أحدهما الآخر، ۲ ولذا أتى بالواو الدالّة على التقارن في أصل الثبوت لها.
قوله: (إنّه لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه ) إلى آخره.
لعلّ المراد أنّه من لم يكن صالحا لم يخف اللّه ؛ لأنّه من لم يكن صالحا لم يكن قوله مصدّقا لفعله ، وسرّه موافقا لعلانيته؛ ومن لم يكن كذلك لم يكن ذا معرفة ثابتة ۳ يجد حقيقتها في قلبه؛ لأنّ اللّه تبارك و تعالى جعل الظاهر دليلاً على الباطن، فالفعل ظاهر ۴ يدلّ على الاعتقاد الذي هو من الخفايا والسرائر ويكشف عنه،