57
الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)

۰.يا هشام ، إنّ العاقلَ لا يَكْذِبُ وإن كانَ فيه هواه .
يا هشام ، لا دينَ لمن لا مروءةَ له ، ولا مروءة لمن لا عقلَ له ، وإنّ أعظمَ الناسِ قدْرا الذي لا يَرى الدنيا لنفسه خطرا ، أما إنَّ أبدانَكُم ليس لها ثمنٌ إلاّ الجنّةُ ، فلا تَبيعوها بغيرها .
يا هشام ، إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول : إنَّ من علامة العاقل أن يكونَ فيه ثلاثُ خصالٍ : يُجيب إذا سُئلَ ، وينطقُ إذا عجزَ القومُ عن الكلام ، ويُشيرُ بالرأي الذي يكونُ

قوله: (إنّ العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه)

حذرا من فضيحته عند الظهور.

قوله: (ولا مروّة لمن لا عقل له)

فإنّ من لا عقل له لا يكون عارفا ۱ بما يليق به ويحسن، وما لا يليق به ولا يحسن ، فقد يترك اللائق ويجيء بما لا يليق، ومن يكون كذلك لا يكون ذا دين.

قوله: (لا يرى الدنيا لنفسه خطرا).

وذلك لأنّه لا يحصل إلاّ بمعرفة كاملة بأحواله وأحوالها، وتلك المعرفة لا تكون إلاّ مع كمال العقل، ومن كَملَ عقله كان من أعظم الناس قدرا.

قوله: (أما إنّ أبدانكم ليس لها ثمن إلاّ الجنّة فلا تبيعوها بغيرها).

عبّر عن استعمال الأبدان في الاكتسابات ببيعها بالمكتسبات، فالمكتسب ثمن لها فقال عليه السلام : «ليس لها ثمن» أي ما يليق بأن يكون ثمنا إلاّ الجنّة: «فلا تبيعوها بغيرها» من الدنيا ومهويّات الأنفس .

قوله: (يجيب إذا سئل).

يعني يكون قادرا على الجواب عمّا يسأل والنطقِ عند عجز القوم عن الكلام، ومشيرا بالرأي الذي فيه صلاح القوم، وعارفا بصلاحهم، وآمرا به، فمن لم يكن فيه شيء من هذه الثلاث فهو أحمقُ ، أي عديم الفهم، ناقص التميز بين الحسن والقبيح.

1.في «خ»: «عاقلاً عارفا» .


الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
56

۰.ثابتةٍ يُبْصِرُها ويَجِدُ حقيقتَها في قلبه ، ولا يكونُ أحدٌ كذلك إلاّ مَن كان قولُهُ لفعلِهِ مُصدِّقا ، وسرُّهُ لعلانيته موافقا ؛ لأنّ اللّه َ ـ تبارك اسمه ـ لم يَدُلَّ على الباطن الخفيّ من العقل إلاّ بظاهرٍ منه ، وناطقٍ عنه .
يا هشام ، كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ما عُبِدَ اللّه ُ بشيء أفضلَ من العقل ، وما تَمَّ عقلُ امرئ حتّى يكونَ فيه خصالٌ شتّى : الكفرُ والشرُّ منه مَأمونان ، والرشدُ والخيرُ منه مَأمولان ، وفضلُ ماله مبذولٌ ، وفضلُ قوله مكفوفٌ ، ونصيبُهُ من الدنيا القوتُ ، لا يَشْبَعُ من العلم دهرَه ، الذلُّ أحبُّ إليه مع اللّه من العزّ مع غيره ، والتواضعُ أحبُّ إليه من الشَرَف ، يستكثرُ قليلَ المعروفِ من غيره ، ويستقلُّ كثيرَ المعروفِ من نفسه ، ويرى الناسَ كلَّهم خيرا منه ، وأنّه شرُّهم في نفسه ، وهو تمامُ الأمرِ .

والقول ظاهر ۱ يعبّر عنه، فإن دلّ الفعل على عدم تقرّر الاعتقاد وثبوته ولم يصدّقه القول، فالمعتبر دلالة الفعل. وأمّا دلالة الفعل على التقرّر والثبوت لحقيقة المعرفة مع مخالفة القول فغير متصوَّر، فإنّ القول إذن فعل دالّ على عدم ثبوت حقيقة المعرفة وتقرّرها في قلبه، ومن لم يجد ۲ حقيقة المعرفة في قلبه لم يكن ذا معرفة ناشئة عن جانب اللّه ، ومن لم يكن عاقلاً عن اللّه لم يخف اللّه .

قوله: (ما عبد اللّه بشيء أفضل من العقل).

فإنّ حقيقة العبادة التذلّل والخضوع ، وإنّما الكاملة البالغة نهايتها بالمعرفة ۳ .

قوله: (ويرى الناس كلّهم خيرا منه).

وذلك بأن يحسن ظنّه بهم ، ويتّهم نفسه، فكلّ ما في غيره ـ ممّا يحتمل وجها حسنا ـ يحمله عليه، وكلّ ما فيه ـ ممّا يحتمل وجها قبيحا ـ يجوّزه في نفسه، فيظنّ بغيره خيرا، ولا يظن بنفسه خيرا، فيظنّ لكلّ منهم أنّه خير منه، ويكون هو عند نفسه شرّا منهم .

1.في «ل»: «ظاهرا» .

2.في «خ، ل، م»: «لم يكن يجد» .

3.في حاشية «ت»: وهي من عمل العقل.

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (النائيني)
    المساعدون :
    النائینی، رفیع الدین محمد بن حیدر
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 135464
الصفحه من 672
طباعه  ارسل الي