127
الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة

وأنّ مُصاحِب الدنيا لا يستطيع الاحتراز من الوقوع في أحابيلها ، ولا يحافظ على نفسه من التلوّث بالذنوب ، كالّذي لا يستطيع أن يمشي على سطح الماء محافظا على أقدامه من البلل.

4 . أخطَرُ مَضارِّ التَّعَلُّقِ بِالدُّنيا

يتضمّن الفصل الرابع ـ في الواقع ـ شرحا لما جاء في الفصل الثالث المشتمل على التحذير من أنّ الاغترار بالدنيا والتعلّق بها هما أساس أنواع البلايا والمخاطر والمفاسد ، ويعكس الآثار المضرّة الناشئة من ذلك التعلّق في الحياة الفرديّة والاجتماعيّة ، سواء أكانت تلك الآثار دنيويّة أو اُخرويّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ من أخطر الآثار الضارّة لحبّ الدنيا هي : عمى القلب وفساد العقل والفكر ؛ إذ لو ابتلي أحد بهذا المرض فلن يفلح أبدا .
وببيان أوضح : إنّ التعلّق بالدنيا أساسه الجهل ، وثمرته الجهل أيضا ، لكن مع اختلاف الجهل الأوّل عن الثاني ؛ إذ الأوّل يمكن علاجه ، حيث إنّ تعاليم الإسلام الخاصّة بتعريف الدنيا المذمومة وآثارها وبيان أخطارها جاءت في الحقيقة لعلاج النوع الأوّل من الجهل ، أمّا الجهل الثاني فهو عصيّ عن العلاج ؛ لأنّ تلك التعاليم إذا لم يعمل بها الفرد لإزالة الجهل الأوّل ووقع في فخّ الدنيا المذمومة ، فإنّ انحطاطه وتلوّثه الأخلاقيّ والسلوكيّ يشكّلان حجابا لعقله وقلبه ، وبالتدريج تسلب منه قدرة المعرفة العقليّة والقلبيّة بسبب كثرة صدأ الروح ولمعاناته من الأمراض الروحيّة المزمنة ، وهنا تغلق في وجهه طرق النجاة وسبل السعادة ، وفي أمثال هؤلاء يقول تعالى مخاطبا نبيّه المصطفى صلى الله عليه و آله :
«وَ مَآ أَنتَ بِهَـدِى الْعُمْىِ عَن ضَلَــلَتِهِمْ» .۱

1.النمل : ۸۱ .


الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
126

تحت عناوين : تعريف الدنيا ، خصائص الدنيا ، مَثَلُ الدنيا وتمثّل الدنيا ، وبذلك استطعنا في الواقع تحديد مفهوم الدنيا المذمومة ، وبيّنّا أخيرا كيفيّة إقبال الدنيا وإدبارها.
إنّ خلاصة الكلام في تحديد مفهوم الدنيا المذمومة يتمثّل في ترجيح الدنيا على الآخرة ، والتعلّق بالدنيا ، والانخداع بالمشتهيات النفسانيّة والحطام الدنيويّ ، والإسراف ، والاعتداء على حقوق الآخرين ۱ . وبعبارة موجزة : الانتفاع غير الصحيح وغير المشروع من الدنيا ، فإذا تجاوز أحدٌ هذه الحدود فقد وقع في فخّ الدنيا المذمومة ، وأصبح أسير هوى نفسه ومشتهياتها اللاّمشروعة ، وصار هلاكه قطعيّا.

2 . حَقارَةُ الدُّنيَا المَذمومَةِ

ما جاء في الفصل الثاني في بيان قيمة الدنيا المذمومة ۲ ـ مثل كونها لا تساوي جناح بعوضة ، أو أحقر المخلوقات عند اللّه ، أو كونها أتفه من الميتة وأحقر ـ يوحي بأنّه ينطوي على نوعٍ من المبالغة ، لكن عند التأمّل في كون هذه التعابير وردت في بيان قيمة الاستمتاع بالمنافع الدنيويّة الفانية لقاء فقدان المنافع الأبديّة في الآخرة ، يدفعنا إلى الاعتقاد بكونها دقيقة ومعتبرة.

3 . التَّحذيرُ مِنَ السُّقوطِ في فَخِّ الدُّنيا

لقد جاء في الفصل الثالث تفسير لذّات الدنيا ، مع التنبيه على ألاّ ينخدع المسلمون بحلاوة الدنيا ونضارتها ؛ لأنّ حبّ الدنيا مبدأ أنواع المصائب وسبب للانحطاط الأخلاقيّ والسلوكيّ ، وجاء أيضا أنّ التعلّق بالدنيا المذمومة خَطر على صاحبه ،

1.راجع : ص۱۲۹ (حقيقة الدنيا الذميمة) .

2.راجع : ص۱۷۷ (تقويم الدنيا) .

  • نام منبع :
    الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
    المساعدون :
    الموسوي، السيد رسول
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 379803
الصفحه من 520
طباعه  ارسل الي