173
الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة

د ـ تَمَثُّلُ الدُّنيا يَومَ القِيامَةِ

۴۵۹.التحصين عن ابن عبّاس :يُؤتى يَومَ القِيامَةِ بِالدُّنيا في صورَةِ عَجوزٍ زَرقاءَ شَمطاءَ ، بادِيَةٍ أنيابُها مُشَوَّهَةٍ خِلقَتُها ، وتُشرِفُ عَلَى الخَلائِقِ .
فَيَقولُ : تَعرِفونَ هذِهِ؟
فَيَقولونَ : نَعوذُ بِاللّهِ مِن مَعرِفَةِ هذِهِ !


الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
172

مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليهم السلام قالَ : لَمّا تَجَهَّزَ الحُسَينُ عليه السلام إلَى الكوفَةِ أتاهُ ابنُ عَبّاسٍ ، فَناشَدَهُ اللّهَ وَالرَّحِمَ أن يَكونَ هُوَ المَقتولَ بِالطَّفِّ . فَقالَ : أنَا أعرَفُ بِمَصرَعي مِنكَ ، وما وُكدي ۱ مِنَ الدُّنيا إلاّ فِراقَها ، ألا اُخبِرُكَ يَابنَ عَبّاسٍ بِحَديثِ أميرِ المُؤمنينَ عليه السلام وَالدُّنيا؟
فَقالَ لَهُ : بَلى لَعَمري ، إنّي لاَُحِبُّ أن تُحَدِّثَني بِأَمرِها .
فَقالَ أبي : قالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام يَقولُ : حَدَّثَني أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام قالَ : إنّي كُنتُ بِفَدَكَ في بَعضِ حيطانِها وقَد صارَت لِفاطِمَةَ عليهاالسلام ۲ ، قالَ : فَإِذا أنَا بِامرَأَةٍ قَد هَجَمَت عَلَيَّ ، وفي يَدي مِسحاةٌ وأنَا أعمَلُ بِها ، فَلَمّا نَظَرتُ إلَيها طارَ قَلبي مِمّا تَداخَلَني مِن جَمالِها ، فَشَبَّهتُها بِبُثَينَةَ بِنتِ عامِرٍ الجُمَحِيِّ وكانَت مِن أجمَلِ نِساءِ قُرَيشٍ ، فَقالَت : يَابنَ أبي طالِبٍ ، هَل لَكَ أن تَتَزَوَّجَ بي فَاُغنِيَكَ عَن هذِهِ المِسحاةِ ، وأدُلَّكَ عَلى خَزائِنِ الأَرضِ فَيَكونَ لَكَ المُلكُ ما بَقيتَ ولِعَقِبِكَ مِن بَعدِكَ؟ فَقالَ لَها : مَن أنتِ حَتّى أخطُبَكِ مِن أهلِكِ؟ فَقالَت : أنَا الدُّنيا . قالَ لَها : فَارجِعي وَاطلُبي زَوجا غَيري فَلَستِ مِن شَأني . وأقبَلتُ عَلى مِسحاتي ، وأنشَأتُ أقولُ :

لَقَد خابَ مَن غَرَّتهُ دُنيا دَنِيَّةٌ وما هِيَ إن غَرَّت قُرونا بِنائِلِ
أتَتنا عَلى زِيِّ العَزيزِ بُثَينَةُ وزينَتُها في مِثلِ تِلكَ الشَّمائِلِ
فَقُلتُ لَها غُرّي سِوايَ فَإِنَّني عَزوفٌ۳عَنِ الدُّنيا فَلَستُ بِجاهِلِ
وما أنَا وَالدُّنيا فَإِنَّ مُحَمَّداأحَلَّ صَريعا بَينَ تِلكَ الجَنادِلِ۴
وهَبها أتَتنا بِالكُنوزِ ودُرِّها وأموالِ قارونَ ومُلكِ القَبائِلِ
ألَيسَ جَميعا لِلفَناءِ مَصيرُها ويَطلُبُ مِن خُزّانِها بِالطَّوائِلِ
فَغُرّي سِوايَ إنَّني غَيرُ راغِبٍ بِما فيكِ مِن مُلكٍ وعِزٍّ ونائِلِ
فَقَد قَنِعَت نَفسي بِما قَد رُزِقتُهُ فَشَأنَكِ يا دُنيا وأهلَ الغَوائِلِ۵
فَإِنّي أخافُ اللّهَ يَومَ لِقائِهِ وأخشى عَذابا دائِما غَيرَ زائِلِ
فَخَرَجَ مِنَ الدُّنيا ولَيسَ في عُنُقِهِ تَبِعَةٌ لاِءَحَدٍ حَتّى لَقِيَ اللّهَ مَحمودا غَيرَ مَلومٍ ولا مَذمومٍ ، ثُمَّ اقتَدَت بِهِ الأَئِمَّةُ مِن بَعدِهِ بِما قَد بَلَغَكُم ؛ لَم يَتَلَطَّخوا بِشَيءٍ مِن بَوائِقِها ۶ ، صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم أجمَعينَ وأحسَنَ مَثواهُم ۷ . ۸

1.وُكْدِي : أي دَأْبي وقَصْدي (النهاية : ج ۵ ص ۲۱۹ «وكد») .

2.فَدَك : قرية من قرى اليهود بينها وبين مدينة النبيّ صلى الله عليه و آله يومان ، وبينها وبين خَيْبَر دونَ مَرْحَلة . وهي ممّا أفاء اللّه على رسوله صلى الله عليه و آله . وكانت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ لأنّه فتحها هو وأمير المؤمنين عليه السلام لم يكن معهما أحد ، فزال عنها حكم الفَيء ولزِمَها اسم الأنفال ، فلمّا نزل «وَ ءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» «الإسراء : ۲۶» أي أعطِ فاطمةَ عليهاالسلام فَدَكا ، أعطاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله إيّاها ، وكانت في يد فاطمة عليهاالسلام إلى أن توفّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاُخذت من فاطمة عليهاالسلام بالقَهر والغَلَبة (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۳۷۰ «فدك») .

3.عَزَفَت نَفسي عن الشيء تَعزِفُ عُزوفا: أي زَهِدت فيه وانصرفت عنه (الصحاح: ج ۴ ص ۱۴۰۳ «عزف») .

4.الجندلُ : الحَجَر ، والجندل : الموضع تجتمع فيه الحجارة (تاج العروس : ج ۱۴ ص ۱۲۵ «جندل») .

5.الغائلة : الفساد والشرّ (مجمع البحرين : ج ۲ ص ۱۳۴۲ «غول») .

6.بَوائقُها : أي غوائلها وشرورها (النهاية : ج ۱ ص ۱۶۲ «بوق») .

7.بحار الأنوار : ج ۷۸ ص ۲۷۱ ح ۱۱۲ وج ۷۷ ص۱۸۹ ح۱۱ مختصرا وكلاهما نقلاً عن كشف الريبة : ص۸۶ (وقد صُحّفت فيه بعض العبارات) وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج ۲ ص ۱۰۲ .

8.في بحار الأنوار نقلاً عن نهج الكيدري أنّه قال عند شرح قول أمير المؤمنين عليه السلام لهمّام في وصف ïالمتّقين «أرادتهم الدنيا فلم يريدوها» : من مكاشفات أمير المؤمنين عليه السلام ما رواه الصادق ، عن آبائه عليهم السلام ـ وساق الحديث نحو ما ذكرناه ، ثم قال ـ : فهذا معنى قوله عليه السلام : أرادتهم الدنيا ولم يريدوها (بحار الأنوار : ج ۷۳ ص ۸۳ ح ۴۶) .

  • نام منبع :
    الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
    المساعدون :
    الموسوي، السيد رسول
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 379807
الصفحه من 520
طباعه  ارسل الي