271
الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة

وعلى هذا الأساس ، ففي الإسلام الواقعي ـ على خلاف المسيحيّة المحرّفة ـ ليس ثمّة تضادّ بين الدنيا والآخرة ، بل إنّ التأمّل في تعاليم الإسلام يقود إلى حقيقة جليّة وهي أنّ من خصائص هذه الشريعة أنّ المادية تنبع من باطن المعنويّة ، والمعنويّة من باطن المادية ، والزهد الإسلاميّ يتجسّد مفهومه حيثما تكون اللذائذ المادية ضارّة للفرد أو للمجتمع أو لكليهما.

خامسا ـ فلسفة الزهد

إنّ للزهد الإسلاميّ في جميع مجالات الحياة الفرديّة والاجتماعيّة دورا إيجابيّا بنّاءً ، لذا جاء المزيد من التأكيد في الأحاديث الإسلاميّة للتحلّي به إلى الحدّ الذي اعتبرت هذه الخصلة أجمل زينة للإنسان عند اللّه سبحانه. ۱
فالزهد في مجال المعرفة يُبعد آفات المعرفة عن الإنسان ، ويريه مفاسد الدنيا المذمومة وقبائحها ، عن طريق رفع الحجب عن نظر القلب والعقل ، كما يوفّر الأرضيّة اللازمة للوصول إلى الحكمة الحقيقيّة ونور العلم الذي ينبع من باطن الروح ، وفي أعلى مراتبه يربط الزاهد بعالَم الملكوت ، فيطّلع على أسرار الوجود ۲ .
والزهد في مجال التكامل المعنوي يهيّئ الفرصة المناسبة لبناء النفس ، فيخلّص الروح من عبوديّة الهوى والهوس ، ويحبّب إليها الإيمان والعبادة ، ويقرّب الإنسان من خالقه ، وأخيرا يعرج به إلى ذِرْوة التكامل الإنسانيّ ۳ .
ولا يقتصر دور الزهد على مجال المعرفة والتكامل المعنوي وحسب ، بل إنّ اطمئنان النفس واستقرار الحياة المادية رهن بالزهد أيضا ، والزهد يسهّل مشاكل

1.راجع : ص۳۰۰ (قيمة الزهد / أحسن زينة) .

2.راجع : ص ۳۰۷ (بركات الزهد / كمال المعرفة) .

3.راجع : ص ۳۰۹ و ۳۱۰ و ۳۱۱ (بركات الزهد / صلاح النفس وحلاوة الإيمان وصلاح الدين) .


الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
270

لَيسَ الزُّهدُ فِي الدُّنيا تَحريمَ الحَلالِ ، ولا إضاعَةَ المالِ ، ولكِنَّ الزُّهدَ فِي الدُّنيا الرِّضا بِالقَضاءِ ... .۱
إنّ جميع الروايات التي جاءت تحت عنوان «التنبيه على تحريف الزهد» وكذلك تحت عنوان «النهي عن الترهّب وتحريم ما أحلّ اللّه » هي في الواقع لأجل بيان الفرق بين الزهد الإسلاميّ والرهبانيّة المسيحيّة.
إنّ الإسلام لا يسمح للإنسان أن يقوم بعملٍ ما دون علم ومعرفة ۲ ، والزهد في الدنيا لا يُستثنى من هذه القاعدة ، لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام :
لا تَزهَدَنَّ في شَيءٍ حَتّى تَعرِفَهُ .۳
وعلى هذا الأساس ، فإنّ أئمّة الإسلام مع تحذيرهم الشديد من حبّ الدنيا ، فإنّهم يقفون بوجه كلّ من يذمّ الدنيا دون علم ومعرفة ويدعو الآخرين إلى الزهد فيها ، ويواجهونه بشدّة ۴ .
وبعبارة أكثر وضوحا : إنّ الإسلام دين الدنيا والآخرة ، وهو يَضمَنُ للناس المنافع الماديّة والمعنويّة في الحياة الدنيا والآخرة ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام في تصوير الخصال المطلوبة التي يدعو الإسلام الناس إليها :
اِعلَموا عِبادَ اللّهِ أنَّ المُتَّقينَ حازوا عاجِلَ الخَيرِ وآجِلَهُ ، شارَكوا أهلَ الدُّنيا في دُنياهُم ، ولَم يُشارِكهُم أهلُ الدُّنيا في آخِرَتِهِم .. . سَكَنُوا الدُّنيا بِأَفضَلِ ما سُكِنَت ، وأكَلوها بِأَفضَلِ ما اُكِلَت .. . أصابوا لَذَّةَ الدُّنيا مَعَ أهلِ الدُّنيا ، وهُم غَدا جيرانُ اللّهِ ... .۵

1.راجع : ص ۲۸۸ ح ۸۴۹ .

2.قال تعالى : «وَ لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» (الإسراء : ۳۶) .

3.غرر الحكم : ح ۱۰۱۶۸ ، عيون الحكم والمواعظ : ص۵۲۰ ح۹۴۴۸ .

4.راجع : ص ۷۲ (النهي عن سبّ الدنيا وذمّها) .

5.راجع : ص۶۱ ح۱۴۲ .

  • نام منبع :
    الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
    المساعدون :
    الموسوي، السيد رسول
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 455315
الصفحه من 520
طباعه  ارسل الي