371
الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة

لَهُ ، وزَواها عَن أقرَبِ النّاسِ مِنهُ .
فَتَأَسّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ ، وَاقتَصَّ أثَرَهُ ، ووَلَجَ مَولِجَهُ ، وإلاّ فَلا يَأمَنِ الهَلَكَةَ ، فَإِنَّ اللّهَ جَعَلَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله عَلَما لِلسّاعَةِ ، ومُبَشِّرا بِالجَنَّةِ ، ومُنذِرا بِالعُقوبَةِ ، خَرَجَ مِنَ الدُّنيا خَميصا ، ووَرَدَ الآخِرَةَ سَليما . لَم يَضَع حَجَرا عَلى حَجَرٍ حَتّى مَضى لِسَبيلِهِ ، وأجابَ داعِيَ رَبِّهِ . فَما أعظَمَ مِنَّةَ اللّهِ عِندَنا حينَ أنعَمَ عَلَينا بِهِ سَلَفا نَتَّبِعُهُ ، وقائِدا نَطَأُ عَقِبَهُ .
وَاللّهِ لَقَد رَقَّعتُ مِدرَعَتي هذِهِ حَتَّى استَحيَيتُ مِن راقِعِها ، ولَقَد قالَ لي قائِلٌ : ألا تَنبِذُها؟فَقُلتُ : اُغرُب عَنّي ، فَعِندَ الصَّباحِ يَحمَدُ القَومُ السُّرى ۱ . ۲

۱۱۶۶.عنه عليه السلام ـ في ذِكرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ـ :قَد حَقَّرَ الدُّنيا وصَغَّرَها ، وأهوَنَ بها وهَوَّنَها ، وعَلِمَ أنَّ اللّهَ زَواها عَنهُ اختِيارا ، وبَسَطَها لِغَيرِهِ احتِقارا ، فَأَعرَضَ عَنِ الدُّنيا بِقَلبِهِ ، وأماتَ ذِكرَها عَن نَفسِهِ ، وأحَبَّ أن تَغيبَ زينَتُها عَن عَينِهِ ؛ لِكَيلا يَتَّخِذَ مِنها رِياشا ، أو يَرجُوَ فيها مُقاما . بَلَّغَ عَن رَبِّهِ مُعذِرا ، ونَصَحَ لاُِمَّتِهِ مُنذِرا ، ودَعا إلَى الجَنَّةِ مُبَشِّرا ، وخَوَّفَ مِنَ النّارِ مُحذِّرا . ۳

۱۱۶۷.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ جَبرَئيلَ عليه السلام أتاني بِخَزائِنِ الدُّنيا عَلى بَغلَةٍ شَهباءَ ۴ ، فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ هذِهِ خَزائِنُ الأَرضِ ولا تَنقُصُكَ مِن حَظِّكَ عِندَ رَبِّكَ تَعالى .

1.السُّرى : سَيرُ الليل عامّته (لسان العرب : ج ۱۴ ص ۳۸۱ «سرا») . «عند الصَّباح يَحمَدُ القومُ السُّرى» : هو مَثَلٌ يُضرب لما يُنال بالمشَقَّة ، ويُوصَل إليه بالتَّعَب (جمهرة الأمثال : ج ۲ ص ۳۸ ح ۱۲۹۳) .

2.نهج البلاغة : الخطبة ۱۶۰ ، بحار الأنوار : ج ۱۶ ص ۲۸۴ ح ۱۳۶ وليس فيه ذيله من «واللّه لقد رقعت مدرعتي . . .» .

3.نهج البلاغة : الخطبة ۱۰۹ ، غرر الحكم : ح ۶۷۰۵ ، عيون الحكم والمواعظ : ص ۳۶۸ ح ۶۲۰۵ وفيهما صدره إلى «وبسطها لغيره احتقارا» وفيهما «اختبارا» بدل «احتقارا» ، بحار الأنوار : ج ۱۶ ، ص ۲۸۵ ، ر ۱۳۶ .

4.الشَّهَب : هو أن يغلِب البياضُ السوادَ ؛ بَغْلٌ أشهَب وبَغْلةٌ شَهْباء (المصباح المنير : ص ۳۲۴ «شهب») .


الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
370

فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الأَطيَبِ الأَطهَرِ صلى الله عليه و آله ، فَإِنَّ فيهِ اُسوَةً لِمَن تَأَسّى ، وعَزاءً لِمَن تَعَزّى . وأحَبُّ العِبادِ إلَى اللّهِ المُتَأَسّي بِنَبِيِّهِ وَالمُقتَصُّ لاِءَثَرِهِ ، قَضَمَ الدُّنيا قَضما ، ولَم يُعِرها طَرفا ، أهضَمُ أهلِ الدُّنيا كَشحا ۱ ، وأخمَصُهُم ۲ مِنَ الدُّنيا بَطنا ، عُرِضَت عَلَيهِ الدُّنيا فَأَبى أن يَقبَلَها ، وعَلِمَ أنَّ اللّهَ سُبحانَهُ أبغَضَ شَيئا فَأَبغَضَهُ ، وحَقَّرَ شَيئا فَحَقَّرَهُ ، وصَغَّرَ شَيئا فَصَغَّرَهُ .
ولَو لَم يَكُن فينا إلاّ حُبُّنا ما أبغَضَ اللّهُ ورَسولُهُ وتَعظيمُنا ما صَغَّرَ اللّهُ ورَسولُهُ ، لَكَفى بِهِ شِقاقا لِلّهِ ومُحادَّةً عَن أمرِ اللّهِ .
ولَقَد كانَ صلى الله عليه و آله يَأكُلُ عَلَى الأَرضِ ، ويَجلِسُ جِلسَةَ العَبدِ ، ويَخصِفُ بِيَدِهِ نَعلَهُ ، ويَرقَعُ بِيَدِهِ ثَوبَهُ ، ويَركَبُ الحِمارَ العارِيَ ويُردِفُ خَلفَهُ ، ويَكونُ السِّترُ عَلى بابِ بَيتِهِ فَتَكونُ فيهِ التَّصاويرُ فَيَقولُ : يا فُلانَةُ ـ لاِءِحدى أزواجِهِ ـ غَيِّبيهِ عَنّي ، فَإِنّي إذا نَظَرتُ إلَيهِ ذَكَرتُ الدُّنيا وزَخارِفَها .
فَأَعرَضَ عَنِ الدُّنيا بِقَلبِهِ ، وأماتَ ذِكرَها مِن نَفسِهِ ، وأحَبَّ أن تَغيبَ زينَتُها عَن عَينِهِ ، لِكَيلا يَتَّخِذَ مِنها رِياشا ، ولا يَعتَقِدَها قَرارا ، ولا يَرجُوَ فيها مُقاما ، فَأَخرَجَها مِنَ النَّفسِ ، وأشخَصَها عَنِ القَلبِ ، وغَيَّبَها عَنِ البَصَرِ . وكَذا مَن أبغَضَ شَيئا أبغَضَ أن يَنظُرَ إلَيهِ وأن يُذكَرَ عِندَهُ .
ولَقَد كانَ في رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما يَدُلُّكَ عَلى مَساوِىَء الدُّنيا وعُيوبِها ؛ إذ جاعَ فيها مَعَ خاصَّتِهِ ، وزُوِيَت عَنهُ زَخارِفُها مَعَ عَظيمِ زُلفَتِهِ . فَليَنظُر ناظِرٌ بِعَقلِهِ : أكرَمَ اللّهُ مُحَمَّدا بِذلِكَ أم أهانَهُ؟ فَإِن قالَ: أهانَهُ ، فَقَد كَذَبَ ـ وَاللّهِ العَظيمِ ـ بِالإِفكِ العَظيمِ . وإن قالَ : أكرَمَهُ ، فَليَعلَم أنَّ اللّهَ قَد أهانَ غَيرَهُ حَيثُ بَسَطَ الدُّنيا

1.الكَشْح : الخَصْر . وأهضَمُ الكَشْحَين : أي دقيق الخَصْرَين (النهاية : ج ۴ ص ۱۷۵ «كشح») .

2.الخَمصُ : الجوع ، ورجلٌ خُمصان وخَميص : إذا كان ضامر البطن (النهاية : ج ۲ ص ۸۰ «خمص») .

  • نام منبع :
    الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
    المساعدون :
    الموسوي، السيد رسول
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 388045
الصفحه من 520
طباعه  ارسل الي