85
الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة

مِتَّ عَلَى السُّنَّةِ وَالحَقِّ ولَم تَمُت عَلى بِدعَةٍ!
اُخبِرُكَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ في زَمانٍ مُقفِرٍ جَدبٍ ۱ ، فَأَمّا إذا أقبَلَتِ الدُّنيا فَأَحَقُّ أهلِها بِها أبرارُها لا فُجّارُها ، ومُؤمِنوها لا مُنافِقوها ، ومُسلِموها لا كُفّارُها ، فَما أنكَرتَ يا ثَورِيُّ ، فَوَاللّهِ إنَّني لَمَعَ ما تَرى ما أتى عَلَيَّ ـ مُذ عَقَلتُ ـ صَباحٌ ولامَساءٌ ولِلّهِ في مالي حَقٌّ أمَرَني أن أضَعَهُ مَوضِعا إلاّ وَضَعتُهُ .
قالَ : فَأَتاهُ قَومٌ مِمَّن يُظهِرونَ الزُّهدَ ، ويَدعونَ النّاسَ أن يَكونوا مَعَهُم عَلى مِثلِ الَّذي هُم عَلَيهِ من التَّقَشُّفِ ۲ ، فَقالوا لَهُ : إنَّ صاحِبَنا حَصِرَ ۳ عَن كَلامِكَ ولَم تَحضُرهُ حُجَجُهُ .
فَقالَ لَهُم : فَهاتوا حُجَجَكُم !
فَقالوا لَهُ : إنَّ حُجَجَنا مِن كِتابِ اللّهِ .
فَقالَ لَهُم : فَأَدلوا ۴ بِها فَإِنَّها أحَقُّ مَا اتُّبِعَ وعُمِلَ بِهِ .
فَقالوا : يَقولُ اللّهُ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ مُخبِرا عَن قَومٍ مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : «وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»۵ فَمَدَحَ فِعلَهُم ، وقالَ في مَوضِعٍ آخَرَ : «وَ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَ يَتِيمًا وَ أَسِيرًا»۶ فَنَحنُ نَكتَفي بِهذا .
فَقالَ رَجُلٌ مِنَ الجُلَساءِ : إنّا رَأَيناكُم تَزهَدونَ فِي الأَطعِمَةِ الطَّيِّبَةِ ، ومَعَ ذلِكَ

1.الجَدْب : القَحْط (النهاية : ج ۱ ص ۲۴۳ «جدب») .

2.المتَقشِّف : الذي يتبلّغ بالقوت وبالمُرَقّع [من الثياب] (الصحاح : ج ۴ ص ۱۴۱۶ «قشف») .

3.حَصِرَ : عَيَّ في منطقه ولم يقدر على الكلام (المعجم الوسيط : ج ۱ ص ۱۷۸ «حصر») .

4.أدْلى بِحجَّتهِ : أثبتها فوصل بها إلى دعواه (المصباح المنير : ص ۱۹۹ «دلو») .

5.الحشر: ۹ .

6.الإنسان : ۸ .


الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
84

۲۱۱.نهج البلاغة :مِن كَلامٍ لَهُ [ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام ] بِالبَصرَةِ ، وقَد دَخَلَ عَلَى العَلاءِ بنِ زِيادٍ الحارِثِيِّ ـ وهُوَ مِن أصحابِهِ ـ يَعودُهُ ، فَلَمّا رَأى سَعَةَ دارِهِ قالَ:
ما كُنتَ تَصنَعُ بِسَعَةِ هذِهِ الدّارِ فِي الدُّنيا ، وأنتَ إلَيها فِي الآخِرَةِ كُنتَ أحوَجَ؟ وبَلى إن شِئتَ بَلَغتَ بِهَا الآخِرَةَ : تُقرِي فيهَا الضَّيفَ ، وتَصِلُ فيهَا الرَّحِمَ ، وتُطلِعُ مِنهَا الحُقوقَ مَطالِعَها ، فَإِذا أنتَ قَد بَلَغتَ بِهَا الآخِرَةَ .
فَقالَ لَهُ العَلاءُ : يا أميرَ المُومِنينَ ، أشكو إلَيكَ أخي عاصِمَ بنَ زِيادٍ . قالَ : وما لَهُ؟ قالَ: لَبِسَ العَباءَةَ وتَخَلّى عَنِ الدُّنيا . قالَ : عَلَيَّ بِهِ . فَلَمّا جاءَ قالَ:
يا عُدَيَّ نَفسِهِ ، لَقَدِ استَهامَ بِكَ الخَبيثُ! ۱ أما رَحِمتَ أهلَكَ ووَلَدَكَ؟ أتَرَى اللّهَ أحَلَّ لَكَ الطَّيِّباتِ ، وهُوَ يَكرَهُ أن تَأخُذَها! أنتَ أهوَنُ عَلَى اللّهِ مِن ذلِكَ!
قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هذا أنتَ في خُشونَةِ مَلبَسِكَ وجُشوبَةِ مَأكَلِكَ!
قالَ : وَيحَكَ ، إنّي لَستُ كَأَنتَ ، إنَّ اللّهَ تَعالى فَرَضَ عَلى أئِمَّةِ العَدلِ أن يُقَدِّروا أنفُسَهُم بِضَعَفَةِ النّاسِ ؛ كَيلا يَتَبَيَّغَ ۲ بِالفَقيرِ فَقرُهُ! ۳

2 / 7

الاِحتِجاجُ عَلى مَن يَدعو إلى تَركِ الدُّنيا

۲۱۲.الكافي عن مَسعَدَةَ بنِ صَدَقة :دَخَلَ سُفيانُ الثَّورِيُّ عَلى أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام فَرَأى عَلَيهِ ثِيابَ بيضٍ كَأَنَّها غِرقِئُ ۴ البَيضِ ، فَقالَ لَهُ : إنَّ هذَا اللِّباسَ لَيسَ مِن لِباسِكَ !
فَقالَ لَهُ: اِسمَع مِنّي وعِ ما أقولُ لَكَ ، فَإِنَّهُ خَيرٌ لَكَ عاجِلاً وآجِلاً ، إن أنتَ

1.استهام بك الخبيث : يعني الشيطان ؛ أي جعلك هائما ضالاًّ (شرح نهج البلاغة : ج ۱۱ ص ۳۳) .

2.لا يتبيّغ : أي لا يتهيّج (الصحاح : ج ۴ ص ۱۳۱۷ «بوغ») .

3.نهج البلاغة : الخطبة ۲۰۹ ، بحار الأنوار : ج ۷۰ ص ۱۱۸ ح ۸ وراجع ربيع الأبرار : ج ۴ ص ۳۸۰ .

4.الغِرْقِئ ـ كزِبْرِج ـ : القشرة الملتزقة ببياض البَيض ، أو البياض الذي يؤكل (مجمع البحرين : ج ۲ ص ۱۳۱۶ «غرق») .

  • نام منبع :
    الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
    المساعدون :
    الموسوي، السيد رسول
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 454832
الصفحه من 520
طباعه  ارسل الي