105
مكاتيب الأئمّة ج1

مكاتيب الأئمّة ج1
104

عَلِيُّ بنُ أبي رافِع

عليّ بن أبي رافع . ولد في عهد النَّبيّ صلى الله عليه و آله وسمّاه عليّا ۱ . تابعيّ ، من خيار الشِّيعة ، كانت له صحبة مع أمير المؤمنين ، وكان كاتبا له ، وحفظ كثيرا ، وجمع كتابا في فنون من الفقه : الوضوء ، والصَّلاة ، وسائر الأبواب ۲ . وكان على بيت مال عليّ عليه السلام ۳ ، وكان كاتبه ۴ .

18

كتابه عليه السلام إلى اُمراء الأجْناد

۰.من كتاب كتبه عليه السلام ـ لمَّا استخلف ـ إلى أمراء الأجناد :« أمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّمَا أُهْلك مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، أنَّهُمْ مَنَعُوا النَّاسَ الْحَقَّ فَاشْتَرَوْهُ ، وأخَذُوهُمْ بِالْبَاطِلِ فَاقْتَدَوْهُ » . ۵

19

كتابه عليه السلام إلى عُثْمان بن حُنَيْف الأنْصاريّ

۰.وقد بلَغه عليه السلام أنَّ بَعْض المُترفين من أهل البصرة دَعا عثْمان إلى وَلِيمة ، فأجابَه
ومَضَى إليْها ، ( قال ) :
« أمَّا بَعدُ ، يا بنَ حُنَيف ٍ ، فَقَدْ بلَغَنِي أنَّ رَجُلاً من فِتيَةِ أهْلِ البَصْرَةِ دَعاكَ إلى مأْدُبَة ، فأسْرَعْتَ إليْها ، تُسْتَطَابُ لكَ الألوَانُ ، وتُنْقَلُ إليْكَ الجِفْانُ ، وما ظَنَنْتُ أنَّك تُجِيبُ إلى طَعامِ قَوْمٍ عائِلُهم مَجْفُوٌ ، وغَنِيُّهُم مَدْعُوٌّ ، فانْظر إلى ما تَقْضَمُهُ من هذا المَقْضَمِ ، فما اشْتَبَهَ علَيْكَ عِلْمُهُ فالْفِظْهُ ، وما أيْقَنْتَ بطِيبِ وُجُوْهِهِ فَنلْ مِنْهُ .
ألا وإنَّ لكلِّ مأْمُومٍ إماما يَقْتَدي به، ويَسْتَضيءُ بِنُورِ علْمِهِ .
ألا وإنَّ إمامَكُم قَدْ اكْتَفى مِن دُنْياهُ بِطِمْرَيْهِ ، ومِن طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ .
ألا وإنَّكُم لا تَقْدِرُونَ على ذلِكَ ، ولكِنْ أعِينُوني بوَرَعٍ واجْتِهادٍ ، وعِفَّةٍ وسَدادٍ ، فو اللّه ِ ما كَنَزْتُ مِن دُنْياكُم تِبْرا ، ولا ادَّخَرْتُ من غَنائِمِها وَفْرا ، ولا أعْدَدْتُ لِبَالي ثَوْبَيَّ طِمْرا ، ولا حُزْتُ من أرْضِها شِبْرا ، ولا أخَذْتُ منْه إلاَّ كَقُوتِ أتَانٍ دَبِرَةٍ ، ولَهِيَ في عَيْني أوْهى وأهْوَنُ من عَفْصَةِ مَقِرَةٍ .
بَلى كانَت في أيْدينا فَدَكٌ مِن كُلِّ ما أظَلَّتْهُ السَّماءُ ، فَشَحَّت عليها نُفُوسُ قوْمٍ ، وسَخَتْ عنها نُفُوسُ قوْمٍ آخَرينَ ، ونِعْمَ الحَكَمُ اللّه . وما أصْنَع بِفَدَكٍ وغَيْرِ فَدَكٍ ، والنَّفسُ مظَانُّها في غَدٍ جَدَثٌ ؛ تَنْقَطِعُ في ظُلْمِتِهِ آثارُها ، وتَغِيبُ أخبارُها ، وحُفْرةٌ لوْ زِيدَ في فُسْحَتِها، وأوْسَعَتْ يَدا حَافِرِها، لأضْغَطَها الحَجَرُ والمَدَرُ ، وسَدَّ فُرَجَها التُّرابُ المُتراكِمُ ، وإنَّما هِيَ نَفْسي أرُوضُها بالتَّقوى ، لِتَأْتِيَ آمنَةً يَوْمَ الخَوْفِ الأكْبرِ ، وتَثْبُتَ علَى جَوَانِبِ المَزْلَقِ .
ولو شِئْتُ لاهْتَدَيْتُ الطَّريقَ إلى مصَفَّى هذا العَسَلِ ، ولُبابِ هذا القَمْحِ ، ونَسائِجِ هذا القَزِّ ، ولكِن هَيْهاتَ أنْ يَغْلِبَني هَوَايَ ، ويَقُودَني جَشَعي إلى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ ، ولَعلَّ بالْحِجازِ أوْ اليَمَامَةِ مَن لا طَمَعَ لَهُ في القُرْصِ ، ولا عَهْدَ لَهُ بالشّبَعِ ، أوْ أبيتَ مِبْطانا ، وحَوْلي بُطُونٌ غَرْثى وأكْبَادٌ حَرّى ، أوْ أكونَ كَما قالَ القائِلُ :
وحَسْبُكَ داءً أنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍوحَوْلَكَ أكبَادٌ تَحِنُّ إلى القِدِّ
أأقْنَعُ مِن نَفسِي بأنْ يقالَ هذا أميرُ المُؤمِنينَ ، ولا أُشْارِكُهم في مكارِه الدَّهرِ ، أوْ أكونُ أُسْوَةً لَهُم في جُشُوبَةِ العَيْشِ فمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أكْلُ الطَّيِّباتِ كالْبَهِيمَةِ المَرْبُوطَةِ هَمُّها عَلَفُها ، أو المُرْسَلَةِ شُغْلُها تَقَمّمُها، تَكْتَرِشُ من أعْلاَفها ، وتَلْهو عمَّا يُرادُ بِها ، أوْ أُتْرَكَ سُدىً وأُهْمَلَ عابِثا ، أوْ أجُرَّ حَبْلَ الضَّلالَةِ ، أوْ أعْتَسِفَ طَرِيقَ المَتاهَةِ .
وكأنِّي بقائِلِكُم يقولُ : إذا كان هذا قُوتُ ابن أبي طالِبٍ ، فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عن قِتالِ الأقْرانِ ، ومُنازَلَةِ الشّجْعَانِ .
ألا وإنَّ الشَّجَرَةَ البَرِّيَةَ أصْلَبُ عُوْدَا ، والرَّواتِعَ الخَضِرَةَ أرَقُّ جُلُودا ، والنَّابتاتِ العَذيَّةَ أقْوى وُقُودا وأبْطَأُ خُمُودا ، وأنَا من رسُولِ اللّه ِ كالصِّنْوِ مِنَ الصِّنْوِ ، والذِّرَاعِ من العَضُدِ .
واللّه ِ ، لو تظاهَرَتِ العَرَبُ على قِتالي لَما وَلَّيْتُ عنها ، ولوْ أمْكَنَتِ الفُرَصُ مِن رِقابِها لَسارَعْتُ إليْها ، وسَأجْهَدُ في أنْ أُطَهِّر الأرضَ مِن هذا الشَّخصِ المَعْكُوسِ ، والجِسْمِ المَرْكُوسِ، حَتَّى تخْرُجَ المَدَرَةُ من بيْنِ حَبِّ الحَصِيدِ .
إليْكِ عَنِّي يا دُنْيا، فَحَبْلُكِ علَى غارِبِكِ قَدْ انْسَلَلْتُ مِن مَخالِبِكِ ، وأفْلَتُّ من حَبائِلِكِ ، واجْتَنَبْتُ الذَّهابَ في مَدَاحِضِكِ ، أيْنَ القوْمُ الَّذينَ غَرَرْتِهِم بمَداعِبِك ، أيْنَ الأمَمُ الَّذينَ فَتَنْتِهِم بِزَخارِفِكِ ؟ ! فهاهُم رَهائِنُ القُبُورِ ، ومَضامِينُ اللُّحُودِ .
واللّه ِ ، لوْ كنْتِ شَخْصا مَرئِيا ، وقالَبا حِسِيَّا ، لأقَمْتُ علَيْكِ حُدُودَ اللّه ِ في عِبادٍ غَرَرْتِهِم بالأمانيّ ، وأُمَمٍ ألْقَيْتِهم في المَهاوي ، ومُلُوكٍ أسْلَمْتِهِم إلى التَّلَفِ ، وأوْرَدْتِهِم موَارِدَ البَلاءِ؛ إذْ لا وِرْدَ ولا صَدَرَ. هَيْهات، مَن وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ ، ومَن رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ ، ومَن ازْوَرَّ عَن حِبائِلِكِ وُفِّقَ ، والسَّالمُ مِنْكِ لا يُبالي إنْ ضَاقَ به مُنَاخُه ، والدُّنيا عندَه كيَوْمٍ حانَ انْسِلاخُهُ .
اغربي عَنِّي، فو اللّه لا أذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّيني ، ولا أسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِيني ، وأيْمُ اللّه ِ ـ يَمِينا أسْتَثْنِي فيها بمَشِيئة اللّه ِ ـ لأرُوْضَنَّ نَفْسِي رِياضَةً تَهُشُّ مَعَها إلى القُرْص إِذا قَدَرَت علَيْهِ مَطْعُوما ، وتَقْنَعُ بالمِلْحِ مأدُوما ، ولأدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ ماءٍ نَضَبَ مَعِينُها، مُسْتَفْرَغَةً دُموعُها ، أتَمْتَلِى ءُ السَّائِمَةُ من رَعْيِها فَتَبْرُك، وتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ من عُشْبِها فَتَرْبِضُ ، ويأكُلُ عَلِيٌّ من زَادِهِ فَيَهْجَعُ ؟ قَرَّت إذا عَيْنُهُ ، إذا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنينَ المتَطاوِلَةِ بالْبَهِيمَةِ الهامِلَةِ ، والسَّائِمَةِ المَرْعِيَّةِ !
طوبَى لِنَفْسٍ أدَّتْ إلى ربِّها فَرْضَها ، وعَرَكَتْ بجَنْبِها بُؤسَها ، وهَجَرَتْ في اللَّيْلِ غُمْضَها ، حَتَّى إذا غَلَبَ الكَرَى عليْها افْتَرَشَتْ أرْضَها ، وتَوَسَّدَتْ كَفَّها، في مَعْشَرٍ أسْهَرَ عيُونَهُم خَوْفُ مَعادِهم ، وتَجافَتْ عَن مضاجِعِهِم جنُوبُهم ، وهَمْهَمَتْ بِذكْرِ ربِّهِم شِفاهُهُم ، وتَقَشَّعَت بِطُولِ اسْتْغْفارِهِم ذُنُوبُهُم « أُولَـئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »۶ .
فاتَّقِ اللّه َ يا بنَ حُنَيْف ٍ ، ولتكفف أقْراصُك، لِيَكونَ مِنَ النَّارِ خَلاصُكَ » . ۷

1.الإصابة : ج۵ ص۵۳ الرقم۶۲۷۸ .

2.رجال النجاشى¨ : ج۱ ص۶۵ .

3.تهذيب الأحكام : ج ۱۰ ص۱۵۱ ح۶۰۶ ؛ تاريخ الطبرى¨ : ج۵ ص۱۵۶ وفيه « ابن أبي رافع » .

4.تهذيب الأحكام : ج ۱۰ ص۱۵۱ ح۶۰۶ ، رجال النجاشى¨ : ج۱ ص۶۲ و ص ۶۵ .

5.نهج البلاغة : الكتاب۷۹ .

6.المجادلة :۲۲ .

7.نهج البلاغة : الكتاب۴۵ وراجع : الخرائج والجرائح : ص۳۴۲ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج۲ ص۱۰۱ ، بحار الأنوار : ج۴۰ ص۳۱۸ وج۷۵ ص۴۴۸ ، جمهرة رسائل العرب : ج۱ ص۳۲۸ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 113248
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي