233
مكاتيب الأئمّة ج1

42

كتابه عليه السلام إلى معاوية

۰.إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أبَا بَكْر ٍ وعُمَر َ وعُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أنْ يَخْتَارَ ، ولا لِلْغَائِبِ أنْ يَرُدَّ ، وإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِين َ والأَنْصَار ِ ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وسَمَّوْهُ إِمَاما كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ ، فَإِنْ أبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُومِنِينَ ، ووَلاَّهُ اللّه مَا تَوَلَّى ، ولَعَمْرِي يَا مُعَاوِيَةُ لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أبْرَأ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ ، ولَتَعْلَمَنَّ أنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ ، إِلاَّ أنْ تَتَجَنَّى ، فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ والسَّلامُ . ۱

هذا الكتاب من كتبه عليه السلام مع جَرِير بن عبْد اللّه البَجَلِي ّ إلى معاوية ، حين نزعه من همدان .
قال ابن عساكر : أخبرنا أبو عبد اللّه البلخي ، أخبرنا أحمد بن الحسن بن
خيرون ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا أحمد بن إسحاق الطَّيبيّ ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين ، أخبرنا أبو سَعيد يَحْيَى بن سُلَيْمان الجُعْفِيّ ، أخبرنا نَصْر بن مُزاحم ، أخبرنا عمر بن سَعْد الأسَديّ عن نُمَيْر بن وعلة ، عن عامر الشَّعْبي ّ ، أنَّ عليَّا عليه السلام حين قدم من البصرة نزَع جَرِير ا همدان ، فجاء حتى نزل الكوفة ، فأراد عليّ أن يبعث إلى معاوية رسولاً .
فقال له جَرِير : ابعثني إلى معاوية ، فإنَّه لم يزل لي مستنصحا ، وودَّا فآتيه فأدعوه على أنْ يسلِّم لك هذا الأمر ويجامعك على الحقّ ، على أن يكون أميرا من أُمرائك ، وعاملاً من عمَّالك ما عمل بطاعة اللّه ، واتَّبع ما في كتاب اللّه ، وأدعو أهل الشَّام إلى طاعتك وولايتك ، وجلّهم قومي وأهل بلادي ، وقد رجوت ألاَّ يعصوني .
فقال له الأشْتَر : لا تبعثه ودعه لا تصدقه ، فو اللّه ، إنِّي لأظنُّ أن هواه هواهم ، ونيته نيتهم .
فقال له علي : دعه حتَّى ننظر ما يرجع به إلينا ، فبعثه عليّ عليه السلام ، وقال له حين أراد أنْ يبعثه :
« إنَّ حولي من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله من أهل الدِّين والرَّأي من قد رأيت ، وقد اخترتك عليهم لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيك : إنك من خَيْر ذي يمن ، ايت معاوية بكتابي ، فإنْ دخل فيما دخل فيه المسلمون ، وإلاَّ فانْبذ إليْه ، وأعلمه أنِّي لا أرضَى به أميرا ، وأنَّ العامَّة لا ترضى به خليفة » .
فانطلق جَرِير حتَّى أتى الشام ونزل بمعاوية فدخل عليه ، فحمد اللّه وأثنى علَيْه ، وقال : أمَّا بعدُ ، يا معاوية فإنَّه قَدْ اجتمع لابن عمِّك أهل الحرمين ، وأهل المصرين ، وأهل الحجاز ، وأهل اليمن ، وأهل مصر ، وأهل العروض وعمان ، وأهل البحرين ، واليمامة ، فلم يبق إلاَّ أهل هذه الحصون الَّتي أنْت فيها لو سال
عليها سيل من أوديته غرقها ، وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك ، إلى مبايعة هذا الرجل ، ودفع إليه كتاب عليّ بن أبي طالب وفيه :
« بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم
أمَّا بعدُ ، فإنَّ بَيْعَتِي بالمَدِيْنَةِ لَزِمَتْكَ وأنْتَ بالشَّامِ ، لأنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أبَا بَكْر ٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ عَلَى مَا بويعوا عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أنْ يَخْتَارَ ، ولا لِلْغَائِبِ أنْ يَرُدَّ ، وإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِين َ والأَنْصَار ِ ، فَإذا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ فسمَّوه إِمَاما كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أوْ رغبة رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ ، فَإِنْ أبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُومِنِينَ ، ووَلاَّهُ اللّه مَا تَوَلَّى ، ويُصْلِيه جَهَنَّم وسَاءَتْ مَصِيرا .
وإنَّ طَلْحَة والزُّبَيْر بايَعانِي ، ثُمَّ نَقَضا بَيْعَتِي ، وكان نَقْضُهُما كَرَدِّهِما ، فجاهَدْتُهما على ذلك حتَّى جاءَ الحقُّ وظَهَرَ أمْرُ اللّه ِ وهُم كارِهون ، فادْخُل فيما دَخَلَ فيه المُسْلِمُون َ ، فإنَّ أحَبَّ الأُمور إليَّ فيْك العافِية ، إلاَّ أنْ تَتَعرَّض للبَلاء ، فإنْ تَعَرَّضْتَ له قاتَلْتُك واسْتَعَنْتُ اللّه علَيْك .
وقَدْ أكْثَرْتَ في قَتَلَةِ عُثْمان ، فَادخُل فيما دَخَلَ فيْهِ المسْلمون َ ، ثُمَّ حاكِم القَوْم إليَّ أحْمِلُك وإيَّاهم على كِتاب اللّه ، فأمَّا تِلْك الَّتي تُريدُها فَخُدْعَةُ الصَّبيِّ عن اللَّبَن . ولَعَمْرِي لَئِن نَظَرْتَ بعقلِك دُوْنَ هَواكَ ، لَتجِدُنِي أبرَأ قرِيش ٍ من دَم عُثمان .
واعْلَم أنَّك من الطُّلَقاء ِ الَّذِين لا تَحِلُّ لهم الخِلافَةُ ، ولا تَعْرِضُ فيهم الشُّورى ، وقد أرْسَلْتُ إليْكَ وإلى مَن قِبَلَك جَرِيرَ بن عبْد اللّه ، وهو من أهل الإيمان والهِجْرَة ، فبايِعْ ، ولا قوَّة إلاَّ باللّه » .۲

1.نهج البلاغة : الكتاب۶ .

2.وقعة صفِّين : ص۲۷ وراجع : العقد الفريد : ج۳ ص ۱۰۶ ، والإمامة والسياسة : ج۱ ص۹۳ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۳ ص ۷۵ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۵۶ ص۹۷۴ .


مكاتيب الأئمّة ج1
232
  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 112951
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي