257
مكاتيب الأئمّة ج1

في الصوم والاعتكاف :

۰.وعليك بالصَّوم فإنَّ رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَكَفَ عَاما في العَشرِ الأُوَلِ مِن شَهرِ رَمضانَ ، وعكَفَ فِي العامِ المُقبِلِ في العَشرِ الأوسَطِ مِن شَهرِ رَمضانَ ، فلَمَّا كانَ العامَ الثَّالِثَ رَجَعَ مِن بَدر ٍ فَقَضى اعتكافَهُ فَنامَ ، فرأى فِي مَنامِهِ لَيلَة القَدرِ فِي العَشرِ الأواخِرِ ، كَأنَّهُ يَسجُد في ماءٍ وطينٍ فلَمَّا استيقَظَ رَجَعَ مِن لَيلَتِهِ وأزواجِهِ وأُناسٍ مَعَهُ مِن أصحَابِهِ ، ثُمَّ إنَّهم مَطَروا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرينَ فَصَلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه و آله حين أصبَحَ ، فرأى في وَجهِ النَّبيَّ صلى الله عليه و آله الطِّينَ ، فلَم يَزلْ يعتَكِفُ في العَشرِ الأواخِرِ مِن شَهرِ رَمضانَ حَتَّى تَوفَّاهُ اللّه ُ .
وقال النَّبيّ صلى الله عليه و آله : مَن صامَ رَمضانَ ثُمَّ صامَ سِتَّةَ أيَّامٍ مِن شَوَّالٍ فَكأنَّما صامَ السَّنَةَ ، جعل اللّه ُ خُلَّتَنا وَوُدَّنا خُلَّةَ المُتّقينَ ، وَوُدّ المُخلصين ، وجمعَ بيننا وبينَكُم في دَارِ الرِّضوانِ إخوانا علَى سُرُرٍ مُتقابِلينَ ، إن شاءَ اللّه ُ أَحسِنُوا يا أهلَ مِصر مُوزرَةَ مُحَمَّد ٍ ، واثبِتُوا علَى طاعَتِكُم تَرِدُوا حَوضَ نَبِيِّكم صلى الله عليه و آله » . ۱

قال إبراهيم : حدَّثني عبد اللّه بن مُحَمَّد بن عثمان ، عن عليّ بن مُحَمَّد بن أبي سيف ، عن أصحابه ؛ أنَّ عليَّا عليه السلام ، لمَّا أجاب مُحَمَّد بن أبي بَكر بهذا الجواب ، كان
ينظر فيه ويتعلّمه ويقضي به ، فلمَّا ظهر عليه وقُتِل ، أخذ عَمْرو بن العاص كتبه أجمع ، فبعث بها إلى معاوية بن أبي سُفْيَان ، وكان معاوية ينظر في هذا الكتاب ويعجبه ، فقال الوليد بن عُقْبَة وهو عند معاوية ـ لمَّا رأى إعجاب معاوية به ـ : مُر بهذه الأحاديثِ أن تحرق ، فقال له معاوية : مه يا بن أبي مُعَيط ، إنَّه لا رأي لك ، فقال له الوليد : إنَّه لا رأي لك ، أ فمن الرَّأي أن يعلم النَّاس أنَّ أحاديث أبي تراب عندك ؟ ! تتعلّم منها وتقضي بقضائه ؟ ! فعلام تقاتله ؟ !
فقال معاوية : ويحك ، أ تأمرني أن أحرق علما مثل هذا ؟ ! واللّه ما سمعت بعلم أجمع منه ولا أحكم ولا أوضح ، فقال الوليد : إن كنت تعجب من علمه وقضائه ،فعلام تقاتله ؟
فقال معاوية : لولا أنَّ أبا تراب قتل عثمان ، ثُمَّ أفتانا لأخذنا عنه ، ثُمَّ سكت هنيئة ثُمَّ نظر إلى جلسائه فقال : إنَّا لا نقول : إنَّ هذه من كتب عليّ بن أبي طالب ، ولكنَّا نقول : إن هذه من كتب أبي بَكر الصِّدِّيق كانت عند ابنه محمّد ، فنحن نقضي بها ونفتي .
فلم تزل تلك الكتب في خزائن بني أُمية ، حَتَّى ولِّي عمر بن عبد العزيز ، فهو أظهر أنَّها من أحاديث عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فلمَّا بلغ عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنَّ ذلك الكتاب صار إلى معاوية اشتدّ ذلك عليه .
قال أبو إسحاق : فحدّثنا بَكر بن بكّار ، عن قَيْس بن الرَّبيع ، عن ميسرة بن حبيب ، عن عَمْرو بن مُرَّة ، عن عبد اللّه بن سلمة ؛ قال : صلّى بنا عليّ عليه السلام ، فلمَّا انصرف قال :
لقد عَثَرتُ عَثْرةً لا أعتَذِرْسَوفَ أَكِيسُ بَعدَها وأستَمِرْ
وأجمَعُ الأمرَ الشَّتيتَ المُنتَشرْ
قلنا : ما بالك يا أمير المونين ؟ ـ سمعنا منك كذا ؟ ـ قال :
« إنِّي استعملت مُحَمَّد بن أبي بَكر على مصر ، فكتب إليّ أنَّه لا علم لي بالسُّنَّة ، فكتبت إليه كتابا فيه السُّنَّة ، فقتل وأُخذ الكتاب » .۲

فقال ابن ابي الحديد : قلت : الأليق أن يكون الكتاب الَّذي كان معاوية ينظر فيه ويعجب منه ويفتي به ويقضي بقضاياه وأحكامه، هو عهد عليّ عليه السلام إلى الأشْتَر ، فإنَّه نسيج وحده ، ومنه تعلّم النَّاس الآداب والقضايا والأحكام والسِّياسة ، وهذا العهد صار إلى معاوية لمَّا سمّ الأشْتَر ، ومات قبل وصوله إلى مصر ، فكان ينظر فيه ويعجب منه ، وحقيق من مثله أن يقتنى في خزائن الملوك . ۳

1.الغارات : ج۱ ص۲۲۷ ـ ۲۵۰ وراجع : الأمالي للمفيد : ص۲۶۰ ، نهج البلاغة : الكتاب ۲۷ ، الأمالي للطوسي : ص۲۵ ، تحف العقول : ص۱۷۶ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۵۴۱ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۵ ص۱۶۳ .

2.الغارات : ج۱ ص۲۵۱ وراجع : بحار الأنوار : ج۳۳ ص۵۵۱ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۶ ص۷۲ .

3.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۶ ص۷۲ .


مكاتيب الأئمّة ج1
256

في الوصيَّة :

۰.إنِ استَطعْتُم يا أهلَ مِصر ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ أنْ يُصَدّقَ قَولُكُم فِعلَكُم وسِرُّكم عَلانِيَتَكُم ، ولا تُخالِفُ ألسِنَتِكُم قُلوبَكُم فافعَلُوا ، عَصَمَنا اللّه ُ وإيِّاكُم بالهُدَى ، وسَلَكَ بِنا وبِكُم المَحَجّةَ الوُسطى ، وإيِّاكُم ودَعوَةَ الكَذّابِ ابنِ هند ٍ ، وتأمَّلُوا واعلَمُوا أ نَّه لا سواءٌ إمامُ الهُدى ، وإمامُ الرَّدَى ، ووصيُّ النَّبيّ ، وعدوُّ النَّبيّ ، جَعَلنا اللّه ُ وإيِّاكُم مِمَّنْ يُحِبُّ ويَرضَى ، وقَد قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله : إنّي لا أخافُ علَى أُمَّتي مُوِنا ولا مُشرِكا ، أمَّا المُوِنُ ، فيمنَعُهُ اللّه ُ بإيمانِهِ وأمَّا المُشرِكُ ، فَيُخزيهِ اللّه ُ بِشِركهِ ، ولكنّي أخافُ عليكُم كُلَّ مُنافِقٍ عالِمِ اللِّسانِ ، يَقولُ ما تَعرِفُونَ ، ويَعمَلُ ما تُنكِرونَ ، ليسَ بهِ خَفاءٌ ، وقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله : من سرَّتهُ حسناتُهُ وساءَتهُ سيّئاتُهُ فذلِكَ المُوِنُ حَقا ، وقَد كانَ يَقولُ : خِصلَتانِ لا تَجتَمِعانِ في مُنافِقٍ ، حُسنُ سَمتٍ ، وفِقهٌ في سُنَّةٍ .
اعلَم يا مُحَمَّد ُ : أنَّ أفضلَ الفِقهِ : الورَعُ فِي دينِ اللّه ِ ، والعَمَلِ بطاعَتِهِ ، أعانَنا اللّه ُ وإيَّاكَ علَى شُكرِهِ ، وذكرِهِ ، وأداءِ حقِّهِ ، والعَمَلِ بِطاعَتِهِ إنَّه سَمِيعٌ قريبٌ .
ثُمَّ إنّي أُوصِيكَ بِتَقوى اللّه ِ في سِرِّ أمرِكَ وعَلانِيَتِهِ ، وعلَى أيِّ حالٍ كُنتَ علَيها ؛ جَعَلَنا اللّه ُ وإيَّاكَ مِنَ المُتّقينَ ، ثُمَّ أوصِيكَ بسَبعٍ هُنَّ جَوامِعُ الإسلام ِ : اخشَ اللّه َ ولا تَخشَ النَّاسَ في اللّه ِ ، فإنَّ خيرَ القَولِ ما صَدَّقَهُ العَمَلُ ، ولا تَقضِ في أمرٍ واحدٍ
بِقضاءين مُختَلِفَينِ فَيتَناقَضُ أمرُكَ وتَزِيغُ عَنِ الحقِّ ، وأحِبَّ لِعامّةِ رَعِيَّتِكَ ما تُحِبُّ لِنَفسِكَ وأهلِ بَيتِكَ ، واكرَه لَهُم ما تَكرَهُ لِنَفسِكَ وأهلِ بَيتِكَ والزَمِ الحُجَّةَ عِندَ اللّه ِ ، وأصلِحْ أحوالَ رَعِيَّتِكَ ، وخُضِ الغَمَراتِ إلى الحَقِّ ، ولا تَخَفْ في اللّه ِ لَومَةَ لائِمٍ ، وانصَحْ لِمَنِ استَشارَكَ ، واجعَل نفسَكَ أُسوَةً لِقَريبِ المُسلِمين َ وبعيدِهِم .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 113128
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي