259
مكاتيب الأئمّة ج1

48

عهد له عليه السلام إلى محمَّد بن أبي بكر

۰.من عهد له عليه السلام إلى محمَّد بن أبي بكر ، حين قلَّده مصر :« فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَك ، وأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَك ، وابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَك ، وآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ والنَّظْرَةِ ، حَتَّى لا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِك لَهُمْ ، ولا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ من عَدْلِك عَلَيْهِمْ ، فإنَّ اللّه تَعَالَى يُسَائِلُكُمْ مَعْشَرَ عِبَادِهِ عَنِ الصَّغِيرَةِ مِن أَعْمَالِكُمْ ، والْكَبِيرَةِ والظَّاهِرَةِ الْمَسْتُورَةِ ، فإن يُعَذِّبْ فَأَنْتُمْ أَظْلَمُ ، وإِنْ يَعْفُ فَهُوَ أَكْرَمُ .
واعْلَمُوا عِبَادَ اللّه ، أَنَّ الْمُتَّقِينَ ذَهَبُوا بِعَاجِلِ الدُّنيا وآجِلِ الآخِرَةِ ، فَشَارَكُوا أَهْلَ الدُّنيا فِي دُنْيَاهُمْ ، ولَمْ يُشَارِكُوا أَهْلَ الدُّنيا فِي آخِرَتِهِمْ ، سَكَنُوا الدُّنيا بِأَفْضَلِ مَا سُكِنَتْ ، وأَكَلُوهَا بِأَفْضَلِ مَا أُكِلَتْ ، فَحَظُوا مِنَ الدُّنيا بِمَا حَظِيَ بِهِ الْمُتْرَفُونَ ، وأَخَذُوا
مِنْهَا مَا أَخَذَهُ الْجَبَابِرَةُ الْمُتَكَبِّرُونَ ، ثُمَّ انْقَلَبُوا عَنْهَا بِالزَّادِ الْمُبَلِّغِ ، والْمَتْجَرِ الرَّابِحِ ، أَصَابُوا لَذَّةَ زُهْدِ الدُّنيا فِي دُنْيَاهُمْ ، وتَيَقَّنُوا أَنَّهُمْ جِيرَانُ اللّه غَدا فِي آخِرَتِهِمْ ، لا تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ ولا يَنْقُصُ لَهُمْ نَصِيبٌ مِن لَذَّةٍ .
فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللّه الْمَوْتَ وقُرْبَهُ ، وأَعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ ، فإنَّه يَأْتِي بِأَمْرٍ عَظِيمٍ ، وخَطْبٍ جَلِيلٍ ، بِخَيْرٍ لا يَكُونُ مَعَهُ شَرٌّ أَبَدا ، أَوْ شَرٍّ لا يَكُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبَدا ، فَمَنْ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ مِن عَامِلِهَا ، ومَنْ أَقْرَبُ إِلَى النَّارِ من عَامِلِهَا ، وأَنْتُمْ طُرَدَاءُ الْمَوْتِ ، إِنْ أَقَمْتُمْ لَهُ أَخَذَكُمْ ، وإِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ أَدْرَكَكُمْ ، وهُوَ أَلْزَمُ لَكُم من ظِلِّكُمْ ، الْمَوْتُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيكُمْ ، والدُّنيا تُطْوَى مِن خَلْفِكُمْ .
فَاحْذَرُوا نَارا قَعْرُهَا بَعِيدٌ ، وحَرُّهَا شَدِيدٌ ، وعَذَابُهَا جَدِيدٌ ، دَارٌ لَيْسَ فِيهَا رَحْمَةٌ ، ولا تُسْمَعُ فِيهَا دَعْوَةٌ ، ولا تُفَرَّجُ فِيهَا كُرْبَةٌ ، وإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ يَشْتَدَّ خَوْفُكُمْ مِنَ اللّه ، وأَنْ يَحْسُنَ ظَنُّكُمْ بهِ فَاجْمَعُوا بَيْنَهُمَا ، فإنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَكُونُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ عَلَى قَدْرِ خَوْفِهِ مِن رَبِّهِ ، وإِنَّ أَحْسَنَ النَّاس ظَنّا بِاللَّهِ أَشَدُّهُمْ خَوْفا لِلَّهِ .
واعْلَمْ يَا محمَّدُ بنَ أَبِي بَكْرٍ ، أَنِّي قَدْ وَلَّيْتُك أَعْظَمَ أَجْنَادِي فِي نَفْسِي أَهْلَ مِصْر َ ، فَأَنْتَ مَحْقُوقٌ أَنْ تُخَالِفَ عَلَى نَفْسِك ، وأَنْ تُنَافِحَ عَنْ دِينِك ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ لَك إِلاَّ سَاعَةٌ مِنَ الدَّهر . ولا تُسْخِطِ اللّه بِرِضَا أَحَدٍ مِن خَلْقِهِ ، فإنَّ فِي اللّه خَلَفا مِن غَيْرِهِ ، ولَيْسَ مِنَ اللّه خَلَفٌ فِي غَيْرِهِ .
صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا الْمُوقَّتِ لَهَا ، ولا تُعَجِّلْ وَقْتَهَا لِفَرَاغٍ ، ولا تُوخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا لاشْتِغَالٍ ، واعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِن عَمَلِك تَبَعٌ لِصَلاتِك .
ومنه : فَإِنَّهُ لا سَوَاءٌ إِمَامُ الْهُدَى وإِمَامُ الرَّدَى ، ووَلِيُّ النَّبِيِّ وعَدُوُّ النَّبِيِّ ، ولَقَدْ قَال لِي رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله : إِنِّي لا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مُومِنا ولا مُشْرِكا ، أَمَّا الْمُومِنُ فَيَمْنَعُهُ اللّه بِإِيمَانِهِ ، وأَمَّا الْمُشْرِك فَيَقْمَعُهُ اللّه بِشِرْكِهِ ، ولَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ كُلَّ مُنَافِقِ الْجَنَانِ
عَالِمِ اللِّسَانِ ، يَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ ، ويَفْعَلُ مَا تُنْكِرُونَ » . ۱

1.نهج البلاغة : الكتاب۲۷ وراجع : الأمالي للمفيد : ص۲۶۰ ، الأمالي للطوسي : ص۲۵ ، تحف العقول : ص۱۷۶ ، الغارات : ج۱ ص۲۲۷ ـ ۲۵۰ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۵۴۱ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۵ ص۱۶۳ ، أنساب الأشراف : ج۲ ص۳۹۲ .


مكاتيب الأئمّة ج1
258
  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 112900
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي