283
مكاتيب الأئمّة ج1

61

كتابه عليه السلام إلى معاوية

۰.[ نقل مصنّف كتاب معادن الحكمة كتابه عليه السلام إلى معاوية عن نهج البلاغة ، ثُمَّ نقل عن الشَّارح البحراني ، أنَّ الكتاب المنقول ملتقط من كتاب ذكر السَّيِّد رحمه الله منه فصلاً سابقا برقم « ۹ » ، ثُمَّ نقل الكتاب بتمامه عن البحراني ، ثُمَّ نقل فصلاً من الكتاب عن ابن أبي الحديد۱، مصرّحا بأنَّ بين نقله ونقل البحراني اختلافا كبيرا ؛ فأحببنا نقله عن ابن أبي الحديد بتمامه ، تتميما وتعميما للفائدة .
فقال ابن الحديد : بعد نقله كتاب معاوية بن أبي سُفْيَان إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، مع أبي مسلم الخولاني ، وما جرى بينه وبين أبي مسلم الخولاني وكان جوابه عليه السلام : ]
« أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ أخا خَوْلان َ قَدِمَ عَلَيَّ بِكتابٍ مِنك َ تَذكُرُ فيهِ مُحَمّد ا صلى الله عليه و آله ، وما أنعَم اللّه ُ بهِ عليهِ مِنَ الهُدى والوحي ، فالحمدُ للّه ِ الَّذي صدَقه الوعْدَ ، وأيَّدَهُ بالنَّصر ، ومكَّن لَهُ في البلادِ ، وأظهرَهُ علَى أهْلِ العَداوَةِ والشَّنآن من قومه ، الَّذِينَ وَثَبوا علَيهِ ، وشَنِفُوا لَهُ ، وأظهَرُوا تَكذِيبَهُ ، وبارَزُوه بالعَداوَةِ ، وظاهَروا على إخراجِهِ وعلَى إخراجِ أصحَابِهِ وأهلِهِ ، وألّبُوا عليهِ العَرَب َ ، وجادَلوهُم علَى حَربِهِ ، وجَهَدوا في أمرِهِ كُلَّ الجَهْدِ ، وَقَلَبوا لَهُ الأُمورَ حَتَّى جاءَ الحَقُّ وظَهرَ أمرُ اللّه ِ وهُم كارِهُونَ ، وكان أشدُّ النَّاس عليه تأليبا وتحريضا أُسرَتَهُ ، والأدنى فالأدنى مِن قَومِهِ ، إلاَّ مَن عَصَمَ اللّه ُ .
وذكرتَ أنَّ اللّه َ تعالَى اجتبى لَهُ مِنَ المُسلِمينَ أعوانا أيَّدهُ اللّه ُ بِهِم ، فَكانُوا في مَنازِلِهم عِندَهُ علَى قَدرِ فَضائِلِهم في الإسلام ِ ، فكان أفضَلَهُم ـ زعَمتَ ـ في الإسلام ِ ، وأنصَحَهُم للّه ِ وَلِرَسُولِهِ الخَليفَةِ ، وخَليفَةِ الخَليفَةِ ، ولعَمرِي إنَّ مكانَهُما في الإسلام لَعظِيمٌ ، وإنَّ المُصابَ بِهما لَجُرحٌ في الإسلام شَدِيدٌ ، فَرَحِمَهُما اللّه ، وجَزَاهما أحسَنَ ما عَمِلا !
وذكرتَ أنَّ عثمان َ كانَ في الفَضلِ تالِيا ، فإن يَكُ عُثمانُ مُحسِنا فسَيجزيهِ اللّه ُ بإحسانِهِ ، وإنْ يَكُ مُسيئا فسَيَلقى رَبَّا غَفُورا لا يتعاظَمُهُ ذنْبٌ أنْ يَغفِرَهُ ، ولَعَمرِي إنِّي لأرجُو إذا أعطَى اللّه ُ النَّاسَ علَى قَدرِ فَضائِلِهم في الإسلام ، ونَصيحَتِهم للّه ِ ولِرَسُولِهِ ، أن يَكُونَ نَصيبُنا في ذلِكَ الأوفرَ .
إنَّ محمّد ا صلى الله عليه و آله لمَّا دعا إلى الإيمانِ باللّه ِ والتوحيدِ لَهُ ، كنَّا أهلَ البَيت ِ ، أوَّل مَن آمَن بِهِ وصَدَّقَهُ فيما جاء ، فبتْنا أحوالا كاملةً مجرّمة ۲ تامَّة ، وما يُعبَدُ اللّه ُ في رَبْعٍ ساكِنٍ مِنَ العَرَب ِ غَيرَنا ، فأراد قومُنا قتل نبيِّنا ، واجتياحَ أصلِنا ، وهمُّوا بنا الهموم ، وفعَلوا بنا الأفاعيل ، ومنَعونا المِيرة ۳ ، وأمسكوا عنَّا العَذْبَ ، وأحْلسُونا الخَوفَ .
وجعَلوا علَينا الأرصادَ والعُيونَ ، واضطرّونا إلى جَبَلٍ وَعْرٍ ؛ وأوْقَدوا لَنا نارَ الحرْبِ ، وكتَبوا بينهم كتابا لا يوكِلُوننا ولا يُشارِبونَنا ، ولا يناكِحُونَنا ، ولا يُبايِعونَنا ،
ولا نأمَنُ مِنهُم حَتَّى ندفَعَ إليهِم محمّد ا فَيقتُلوه ويمثِّلوا بِهِ ، فلَم نَكُن نأمَنُ فِيهِم إلاَّ مِن مَوْسِمٍ إلى مَوْسِمٍ ، فَعزَمَ اللّه ُ لَنا علَى منعِهِ ، والذَّبِّ عن حَوْزتِهِ ، والرَّمي مِن وراءِ حُرمَتِهِ ، والقيامِ بأسيافِنا دُونَهُ في ساعاتِ الخَوفِ باللَّيل والنَّهار ، فمُوِنُنا يَرجو بِذَلِكَ الثَّوابَ ، وكافِرُنا يُحامي عَنِ الأصلِ ، وأمَّا مَن أسلَم مِن قُرَيش ٍ فإنَّهُم مِمَّا نحنُ فيهِ خَلاءٌ ، مِنهُم الحَليفُ المَمنُوعُ ، ومِنهُم ذو العَشِيرةِ الَّتي تُدافِعُ عَنهُ ، فلا يبغيه أحدٌ مِثلَ ما بغانا بِهِ قومُنا مِنَ التَّلفِ ، فَهُم مِنَ القتْلِ بِمَكانِ نجْوةٍ وأمْنٍ ، فكانَ ذلِكَ ما شاءَ اللّه ُ أن يَكُونَ .
ثُمَّ أمرَ اللّه ُ تَعالى رسولَهُ بالهِجرَةِ ، وأذِنَ لَهُ بَعدَ ذلِكَ في قِتالِ المُشركِين َ ، فكان إذا احمَرّ البأسُ ، ودُعِيَتْ نَزالِ ۴ أقامَ أهلَ بيتِهِ ، فاستَقدَمُوا ، فَوقَى أصحابَهُ بِهِم حَدَّ الأسنَّةِ والسُّيُوفِ ، فَقُتِلَ عُبيدَة ُ يَومَ بَدْر ٍ ، وحَمزة ُ يَومَ أُحد ٍ ، وجَعْفَر ُ وزَيْد ٌ يَومَ مُوَة ، وأراد مَن لَو شِئتُ ذَكَرتُ اسمَهُ مِثلَ الَّذي أرادوا من الشَّهادة مع النَّبيّ صلى الله عليه و آله غيرَ مَرّةٍ ، إلاَّ أنَّ آجالهم عُجِّلَت ، ومَنيَّته أُخِّرت ، واللّه ُ ولِيُّ الإحسانِ إليهِم ، والمِنَّةِ علَيهِم ، بما أسلفوا من أمر الصَّالحات ، فما سَمِعْتُ بأحَدٍ ، ولا رأيتُهُ هو أنصَحُ في طاعَةِ رَسولِهِ ، ولا لِنبيِّهِ ، ولا أصبرَ على اللأواء ۵ والسَّرَّاء والضَّرَّاء وحين البأس ، ومَواطِنِ المَكْروهِ مَعَ النَّبيّ صلى الله عليه و آله من هَواءِ النَّفر الَّذِينَ سَمَّيتُ لَكَ ، وفي المهاجرين خيرٌ كثيرٌ يُعرَف ، جَزاهُمُ اللّه ُ خَيرا بأحسَنِ أعمالِهِم .
وذكرتَ حسدي الخلفاءَ وإبطائي عنهم ، وبغيي عليهم ؛ فأمَّا البغيُ فمعاذَ اللّه ِ أن يَكُونَ ، وأمَّا الإبطاءُ عَنهُم والكراهِيَةُ لأمرِهِم ، فَلَستُ أعتَذِرُ إلى النَّاس مِن ذلِكَ ؛ إنَّ اللّه َ تعالى ذكره لمّا قَبَضَ نبيَّه صلى الله عليه و آله .
قالت قريش : منَّا أميرٌ ، وقالت الأنصار : منَّا أميرٌ ؛ فقالت قريش : منَّا محمّد ، نحن أحقّ بالأمر ، فَعَرفَتْ ذلِكَ الأنصار ُ ، فَسَلَّمَت لَهُمُ الوِلايَةَ والسُّلطانَ ، فإذا استحقّوها بمُحَمَّد ٍ صلى الله عليه و آله دُونَ الأنصار ِ ، فإن أولى النَّاسِ بمُحَمَّد ٍ أحقُّ بِهِ مِنهُمْ ، وإلاّ فإنَّ الأنصار َ أعظمُ العرب فيها نصيبا ، فلا أدري : أصحَابي سَلِموا مِن أنْ يَكونوا حَقِّي أخَذُوا ، أو الأنصار ُ ظَلَموا ؟ بل عَرَفتُ أنَّ حَقِّي هُوَ المأخُوذُ ، وقد تركته لَهُم تجاوُزا للّه ِ عَنهم .
وأمَّا ما ذكرتَ من أمرِ عُثمانَ ، وقطيعَتِي رَحِمَهُ ، وتَأليبي علَيهِ ، فإنَّ عُثمانَ عَمَلَ ما قَد بَلَغَكَ ، فصَنعَ النَّاسُ بهِ ما رأيتَ ، وإنَّكَ لَتَعلَمُ أنِّي قَد كُنتُ في عُزْلةٍ عَنهُ إلاَّ أنْ تَتَجنّى ؛ فَتَجَنَّ ما بَدا لَكَ .
وأمَّا ما ذكرتَ مِن أمرِ قتلِهِ عُثمانَ ، فإنِّي نَظَرتُ في هذا الأمرِ ، وضرَبتُ أنفَهُ وعينَهُ ، فَلم أرَ دَفعَهُم إليك ولا إلى غَيرِكَ ، ولعَمرِي لَئِن لَمْ تَنزِعْ عَن غَيِّكَ وشِقاقِكَ لَتَعرِفَنَّهُم عَن قليلٍ يَطلِبونَكَ لا يُكَلِّفونَكَ أنْ تَطلُبَهم في بَرّ ولا بَحر ، ولا سهل ولا جبَل ، وقد أتاني أبوكَ حينَ وَلَّى النَّاسُ أبا بَكر ٍ ، فقال : أنت أحقُّ بِمقامِ مُحَمّد ٍ ، وَأولَى النَّاس بِهذا الأمرِ ، وأنَا زعيمٌ لَكَ بِذلِكَ علَى مَن خَالَفَ ، ابسُطْ يَدَكَ أُبايِعْكَ ؛ فلم أفعل ، وأنتَ تعلَمُ أنَّ أباكَ قَد قالَ ذلِكَ وأرادَهُ، حَتَّى كُنتُ أنا الَّذي أبَيْتُ ؛ لِقُربِ عَهدِ النَّاسِ بالكُفرِ مَخافَةَ الفُرقَةِ بَينَ أهلِ الإسلام ِ ، فأَبوكَ كانَ أعرَفُ بِحقِّي مِنكَ ، فإن تَعرِفْ مِن حَقِّي ما كانَ أبُوكَ يَعرِفُ تُصِبْ رُشدَك ، وإنْ لَمْ تَفعَل فَسيُغنِي اللّه ُ عَنكَ ، والسَّلامُ . » ۶

1.معادن الحكمة : ج۱ ص۱۳۶ ـ ۱۴۸ .

2.حولٌ مُجرَّم، وسنة مجرَّمة، أي: تامّة . (الصحاح: ج ۵ ص ۱۸۸۵ «جرم» ).

3.المِيرَة : الطّعام يمتارُهُ الإنسان ، وفي التهذيب : وقد مارَ عياله وأهلَهُ يميرهم ميرا . (لسان العرب: ج ۵ ص ۱۸۸ « مور »).

4.أي : تنازلوا للحرب (مجمع البحرين: ج ۳ ص ۱۷۷۴ «نزل») .

5.اللّأْواء : الشدّة ، وضيق المعيشة (النهاية : ج ۴ ص ۲۲۱ «لأواء») .

6.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج۱۵ ص۷۶ ـ ۷۸ وراجع: عِقد الفريد: ج۳ ص۳۳۱، المناقب للخوارزمي: ص۲۵۲ ؛ نهج البلاغة : الكتاب۹ ، وقعة صفِّين : ص۸۸ ـ ۹۱ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۱۱۰ ـ ۱۱۳ .


مكاتيب الأئمّة ج1
282
  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 115690
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي